فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 21 ) }

النفس مولعة بحب العاجل والإعراض من الآجال- إلا من سعدوا ، وقليل ما هم- ولقد أعذر الخلاق العليم البر الرحيم { لئلا يكون للناس على الله حجة . . }{[6338]} فدعاهم إلى دار السلام ، وناداهم للتنافس في الخيرات ، والتسابق إلى الأعمال الصالحة الموصلة إلى رضوانه والجنات وأعلى الدرجات { سابقوا } افعلوا فعل المتنافسين الحريصين على سبق أقرانهم { إلى مغفرة من ربكم } إلى أعمال تكون سببا لمغفرة ربكم وستره ، وصفحه وعفوه ؛ أو : سابقوا ملك الموت قبل أن يقطعكم بالموت عن أسباب المغفرة ودخول الجنة . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحريض على تعجل فعل البر قبل فوات الأوان ؛ روى مسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا الصبح بالوتر ){[6339]} ؛ كما روى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلوات الله تعالى عليه وسلامه قال : ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل ){[6340]} وعظم المولى- سبحانه- ما في مقاعد الصدق من قرة عين وسعة ، فبين – تبارك اسمه- أن عرض الجنة التي وعد المتقون كعرض السماء والأرض جميعا لو ألصق أحدهما بالآخر ، فإذا كان العرض- وهو أقصر الامتدادين- يبلغ هذا المدى ، دل على عظم الطول بالطريق الأولى ؛ وقد هيأ الله البر الرحيم هذه الجنان الواسعة بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ به أعين الذين صدقوا بالله ورسوله ؛ وفي سورة آل عمران بشر الله المتقين الموقنين ودعاهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، وحرضهم- جل علاه- على المبادرة فقال عز من قائل : { وسارعوا . . } يقول أصحاب الإشارات : في لفظ { سارعوا } إشارة إلى أن كلهم مستوون في القرب أو متقاربون ؛ وفي لفظ { سابقوا } إشارة إلى أن مراتب هؤلاء مختلفة .

{ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } ذلك الوعد والإعداد لهذا النعيم والتكريم ، تفضل من ربنا الوهاب الكريم ، يتفضل بكرمه وعطائه على من شاء أن يكرم ويعطي ويهدي ؛ والله صاحب الفضل الذي لا يحد ، ولا ينتهي عند أمد .


[6338]:- سورة النساء. من الآية 165.
[6339]:- بمعنى: سابقوا وتعجلوا صلاة الوتر قبل دخول وقت الصبح.
[6340]:- وصية كريمة بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن التي تصرف بعض الناس عن إيمانهم مقابل عرض تافه زائل. نسأل الله تعالى العصمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.