قوله تعالى : { سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الآية .
أي : سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم .
وقيل : سارعوا بالتَّوبةِ ؛ لأنها تؤدِّي إلى المغفرة . قاله الكلبي{[55418]} .
وقال مكحول : هي التكبيرة الأولى مع الإمام .
فصل فيمن استدل بالآية على أن الأمر على الفور{[55419]}
احتج القائلون بأن الأمر على الفور بهذه الآية ؛ لأنها دلت على وجوب المسارعة ، فوجب أن يكون التراخي محظوراً{[55420]} .
قوله : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض } .
{ عَرْضُهَا كَعَرْضِ } : مبتدأ وخبر ، والجملة صفة ، وكذلك «أعِدَّتْ » ، ويجوز أن تكون «أعدت » مستأنفة{[55421]} .
قال مقاتل : إنَّ السماوات السَّبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح ، وألزق بعضها إلى بعض لكانت عرض جنة واحدة من الجنَّات ، والعرض أقل من الطول ، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله{[55422]} ؛ قال : [ الطويل ]
كَأنَّ بِلادَ اللَّهِ وهْيَ عرِيضةٌ *** على الخَائفِ المطلُوبِ كفَّةُ حَابِلِ{[55423]}
وقال عطاء عن ابن عباس : يريد أنَّ لكل واحد من المطيعين جنَّة بهذه الصِّفة{[55424]} .
وقال السُّدي : إنه - تعالى - شبّه عرض الجنة بعرض السماوات السبع والأرضين السبع ، ولا شك أن طوله أزيد من عرضه{[55425]} .
وقيل : هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ، وأكبر ما في أنفسهم مقدار السماوات والأرض .
قاله الزجاج{[55426]} ، وهو اختيار ابن عبَّاس{[55427]} .
وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل «الحيرة » لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عز وجل : { عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض } فأيْنَ النَّارُ ؟ قال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا ولَّى وجاء النهار ، فأين يكون الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله{[55428]} .
قوله : { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ } شرط الإيمان لا غير ، والمعتزلة وإن زعموا أن لفظ الإيمان يفيد جملة الطَّاعات ، لكنهم اعترفوا بأن لفظ الإيمان إذا عدي بالباء ، فإنه باقٍ على مفهومه الأصلي وهو التصديق ، فالآية حجة عليهم ، ومما يؤكّد ذلك قوله تعالى بعده : { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } فبين أن الجنة فضل الله يؤتيها من يشاء ، سواء أطاع أم عصى .
فإن قيل : فيلزمكم أن تقطعوا بحصول الجنة لجميع العُصاة ، وأن تقطعوا بأنه لا عقاب لهم ؟ فالجواب{[55429]} : قلنا : نقطع بحصول الجنَّة ، ولا نقطع بنفي العقاب عنهم ؛ لأنهم إذا عذّبوا مدة ، ثم نقلوا إلى الجنة ، وبقوا فيها أبد الآباد ، فقد كانت الجنَّة معدة لهم .
فإن قيل : فالمرتد قد آمن بالله ، فوجب ألاّ يدخل تحت هذه الآية .
قلنا : فالجواب خص من العموم ، فبقي العموم حجة فيما عداه .
فصل في أن الجنة مخلوقة أم لا ؟{[55430]}
احتجوا بهذه الآية على أن الجنة مخلوقة .
قالت المعتزلة : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجهين :
الأول : أن قوله تعالى { أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا } [ الرعد : 35 ] يدل على أن من صفتها بعد وجودها ألا تفتى ، لكنها لو كانت الآن موجودة لفنيت بدليل قوله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] .
الثاني : أن المخلوقة الآن في السماء السَّابعة ، ولا يجوز إذا كانت في واحدة منها أن يكون عرضها كعرض كل السماوات والأرض ، فثبت بهذين الوجهين أنه لا بُدَّ من التأويل ، وذلك من وجهين :
أحدهما : أنه - تعالى - لما كان قادراً لا يصحّ المنع عليه ، وإذا كان حكيماً لا يصحّ الخلف في وعده ، ثم إنه - تعالى - وعد على الطَّاعة بالجنة ، فكانت الجنة كالمعدّة المهيّأة لهم تشبيهاً لما سيقع قطعاً بالواقع ، كما يقول المرء لصاحبه : أعددت لك المكافأة إذا عزم عليها وإن لم يوجدها .
والثاني : أن المراد إذا كانت الآخرة أعدّها الله لهم ، كقوله : { ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة } [ الأعراف : 50 ] أي : إذا كان يوم القيامة نادى .
والجواب : أن قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } [ القصص : 88 ] عام .
وقوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } مع قوله : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } [ الرعد : 35 ] خاص ، والخاصّ مقدّم على العام .
وأما قولهم : إنَّ الجنَّة مخلوقة في السماء السابعة كما قال - عليه الصلاة والسلام - في صفة الجنة : «سَقْفُهَا عرْشُ الرَّحْمانِ » فأي استبعاد في أن يكون المخلوق فوق الشيء أعظم منه ، أليس أن العرش أعظم المخلوقات ، مع أنه مخلوق فوق السماء السابعة{[55431]} .
قوله : { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } أي : أن الجنة لا تنال إلاَّ بفضل الله ورحمته{[55432]} ، { والله ذُو الفضل العظيم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.