فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ثم ندب عباده إلى المسابقة إلى ما يوجب المغفرة من التوبة والعمل الصالح ، فإن ذلك سبب إلى الجنة فقال :{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم } أي سارعوا مسارعة السابقين بالأعمال الصالحة التي توجب لكم المغفرة من ربكم ، وتوبوا مما وقع منكم من المعاصي وقيل : المراد بالآية التكبيرة الأولى مع الإمام ، قاله مكحول ، وقيل : المراد الصف الأول ، ولا وجه لتخصيص ما في الآية بمثل هذا بل هو من جملة ما تصدق عليه صدقا شموليا أو بدليا ، وحاصل المعنى لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه من أمور الدنيا ، بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة .

{ وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } أي كعرضهما وإذا كان هذا قدر عرضها فما ظنك بطولها ، قال الحسن يعني جميع السموات السبع والأرضين السبع مبسوطات ، كل واحدة إلى صاحبتها ، وقيل : المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض هي الجنة كل واحد من أهل الجنة ، وقال ابن كيسان : عنى به جنة واحدة من الجنات ، والعرض أقل من الطول ، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله ، وقيل : المراد بالعرض السعة لا ضد الطول كما في قوله تعالى : { فذو دعاء عريض } وقيل : إن هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ، ويقع في نفوسهم وأفكارهم ، والأول أولى ، وقد مضى تفسير هذا في سورة آل عمران . ثم وصف سبحانه تلك الجنة بصفة أخرى فقال :

{ أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } هذه الجملة مستأنفة ، وفي هذا دليل على أنها مخلوقة ، وعلى أن استحقاق الجنة يكون بمجرد الإيمان بالله وبرسله ولكن هذا مقيد بالأدلة الدالة على أنه لا يستحقها إلا من عمل بما فرض الله عليه ، واجتنب ما نهاه الله عنه ، وهي أدلة كثيرة في الكتاب والسنة .

{ ذلك } أي ما وعد به سبحانه من المغفرة والجنة { فضل الله يؤتيه } أي يعطيه { من يشاء } إعطاءه إياه تفضلا وإحسانا ، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله لا بعلمه { والله ذو الفضل العظيم } فهو يتفضل على من يشاء بما يشاء ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطى لما منع ؛ والخير كله بيده ، وهو الكريم المطلق ، والجواد الذي لا يبخل ، فلا يبعد منه ، التفضل بذلك ، وإن عظم قدره ،