في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

من أجل هذا دعا نوح - عليه السلام - دعوته الماحقة الساحقة . ومن أجل هذا استجاب الله دعوته ، فغسل وجه الأرض من ذلك الشر ؛ وجرف العواثير التي لا تجرفها إلا قوة الجبار القدير .

وإلى جانب الدعوة الساحقة الماحقة التي جعلها خاتمة دعائه وهو يقول : ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا )- أي هلاكا ودمارا - إلى جانب هذا كان الإبتهال الخاشع الودود :

( رب اغفر لي ولوالدي ، ولمن دخل بيتي مؤمنا ، وللمؤمنين والمؤمنات . . . ) . .

ودعاء نوح النبي لربه أن يغفر له . . هو الأدب النبوي الكريم في حضرة الله العلي العظيم . . أدب العبد في حضرة الرب . العبد الذي لا ينسى أنه بشر ، وأنه يخطئ ، وأنه يقصر ، مهما يطع ويعبد ، وأنه لا يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله بفضله ، كما قال أخوه النبي الكريم محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهذا هو الاستغفار الذي دعا قومه العصاة الخاطئين إليه ، فاستكبروا عليه . . وهو هو النبي يستغفر بعد كل هذا الجهد وكل هذا العناء . يستغفر وهو يقدم لربه سجل الحساب !

ودعاؤه لوالديه . . هو بر النبوة بالوالدين المؤمنين - كما نفهم من هذا الدعاء - ولو لم يكونا مؤمنين لروجع فيهما كما روجع في شأن ولده الكافر الذي أغرق مع المغرقين [ كما جاء في سورة هود ] .

ودعاؤه الخاص لمن دخل بيته مؤمنا . . هو بر المؤمن بالمؤمن ؛ وحب الخير لأخيه كما يحبه لنفسه ، وتخصيص الذي يدخل بيته مؤمنا ، لأن هذه كانت علامة النجاة ، وحصر المؤمنين الذين سيصحبهم معه في السفينة .

ودعاؤه العام بعد ذلك للمؤمنين والمؤمنات . . هو بر المؤمن بالمؤمنين كافة في كل زمان ومكان . وشعوره بآصرة القربى على مدار الزمن واختلاف السكن . وهو السر العجيب في هذه العقيدة التي تربط بين أصحابها برباط الحب الوثيق ، والشوق العميق ، على تباعد الزمان والمكان . السر الذي أودعه الله هذه العقيدة ، وأودعه هذه القلوب المربوطة برباط العقيدة . .

وفي مقابل هذا الحب للمؤمنين ، كان الكره للظالمين .

( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) .

ختام السورة:

وتختم السورة ، وقد عرضت تلك الصورة الوضيئة لجهاد النبي الكريم نوح عليه السلام . وتلك الصورة المطموسة لإصرار المعاندين الظالمين . . وقد تركت هذه وتلك في القلب حبا لهذا الروح الكريم وإعجابا بهذا الجهاد النبيل ، وزادا للسير في هذا الطريق الصاعد ، أيا كانت المشاق والمتاعب . وأيا كانت التضحيات والآلام . فهو الطريق الوحيد الذي ينتهي بالبشرية إلى أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض . حين ينتهي بها إلى الله ، العلي الأعلى ، الجليل العظيم . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

25

المفردات :

تبارا : هلاكا ، ويعدّى بالتضعيف فيقال : تبّره الله ، إذا أهلكه .

التفسير :

27- رب اغفر لي ولولديّ ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا .

تختم السورة بهذه الآية الكريمة ، وهي ترنيمة دعاء من نبيّ صالح .

رب اغفر لي .

فالرسول بشر ، في حاجة إلى مغفرة الله وستره توفيقه ، ثم دعاء لوالديه ، وبرّ المؤمن بوالديه من أصول الأديان .

ثم دعاء لكل من دخل بيته مؤمنا ، مشتركا معه في حقيقة الإيمان . فبين المؤمنين أخوة عامة ، ورحم يجب أن توصل ، لذلك ختم دعاءه بقوله :

وللمؤمنين والمؤمنات .

أي : واغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات ، وذلك يدل على سرّ عجيب ، وآصرة قوية تربط بين المؤمنين والمؤمنات ، مهما تباعد الزمان أوالمكان ، فإن أخوّة الإيمان بالله أصرة قوية ، ورباط وثيق بين المؤمنين من عهد آدم إلى قيام الساعة .

ولا تزد الظالمين إلا تبارا .

أي : أهلك هؤلاء الظالمين لأنهم عقبة في سبيل دعوة الإيمان والخير .

وقد استجاب الله دعاءه فأغرق الظالمين ، ونجى المؤمنين .

وسجّلت السورة كفاح هذا النبي الكريم ، والرسول الصابر الذي لوّن في أسلوب دعوته ، وصبر وصابر ، ليكون قدوة وأسوة للدعاة والهداة . والله ولي التوفيق .

***

وكان ختام تفسير سورة ( نوح ) مساء الجمعة 28 من ذي الحجة 1421ه ، الموافق 23 من مارس 2001م .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام عل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

i في ظلال القرآن ، الجزء 29 ص301 .

ii انظر تفسير ابن جرير ، وتفسير ابن كثير .

iii تفسير المراغي ، الجزء 29 ص ( 87 ، 88 ) .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

ربِّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا ، وللمؤمنين والمؤمنات بك ، ولا تزد الكافرين إلا هلاكًا وخسرانًا في الدنيا والآخرة .