في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

والآن - وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول ، وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره . . الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور . ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور . . يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ، لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار ، ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ، ويعلقوا قلوبهم بقدر الله :

( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ? أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ? فستعلمون كيف نذير ! ولقد كذب الذين من قبلهم . فكيف كان نكير ? ) . .

والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ، ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم ! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب ، في بعض الأحيان ، عندما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة . ذلك عند الزلازل والبراكين ، التي تكشف عن الوحش الجامح ، الكامن في الدابة الذلول ، التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر ، ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها ؛ أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفه منها . . وهي تمور . . البشر ولا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون .

وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب ، من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام !

والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ، وتحرق وتصعق . وهم بإزائها ضعاف عاجزون ، بكل ما يعلمون وما يعملون . والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب ، وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين !

والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها ، ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها . يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا . والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ، وتقذف بالحمم وتفور . والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر ، ولا تصده عن التدمير . . يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل .

( فستعلمون كيف نذير ) ! ! !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

شدة بطش الله بالمكذبين

{ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17 ولقد كذّب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن ما يمسكهنّ إلا الرحمان إنه بكل شيء بصير 19 }

المفردات :

الآمن : ضد الخوف .

من في السماء : هو ربكم الأعلى ، أو من في السماء عرشه .

يخسف بكم الأرض : يغيبكم فيها ، ومنه قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض . . . ( القصص : 81 ) .

تمور : تهتز وتضطرب ، وأصل المور : التردد في المجئ والذهاب .

16

التفسير :

16- أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور .

هذه الآيات تهديد ووعيد لكفار مكة الذين أنكروا الوحي والرسالة ، وفيها تهديد لك كفّار عنيد .

ومعنى الآية :

هل تأمنون بطش الله وعقوبته ، بأن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون فظل يهوى فيها ؟ وهو سبحانه في السماء عرشه ، أو ملكه وملكوته ، أو أمره وقضاؤه ، وبيده الخلق والأمر ، وهو القادر على أن يعذبكم من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم .

ونحو الآية قوله تعالى : قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم . . . ( الأنعام : 65 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

الأمن : الاطمئنان وعدم الخوف ، وهو أعظم شيء في الوجود .

مَن في السماء : يعني ربنا الأعلى .

تمور : تهتز وتضطرب .

ثم بيّن الله أن الإنسانَ يجب أن يكون دائماً في خوفٍ ورجاءٍ ، فذكر أنه : هل يأمنون أن يحلَّ بهم في الدنيا مثلُ ما حلّ بالمكذّبين من قبلهم ؟ من خسْفٍ عاجلٍ تمورُ به الأرض .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

شرح الكلمات :

{ أن يخسف بكم الأرض } : أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها .

{ فإذا هي تمور } : أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم .

المعنى :

يقول تعالى واعظاً عباده ليؤمنوا له ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أم أمنتم من في السماء الذي هو العلو المطلق وهو الله عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغوروا في بطنها والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول .

الهداية :

من الهداية :

- تحذير المعرضين عند الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال . إلا إيمانهم وإسلامهم الله عز وجل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

قوله تعالى : " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض " قال ابن عباس : أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه . وقيل : تقديره أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته . وخص السماء وإن عم ملكه ، تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض . وقيل : هو إشارة إلى الملائكة . وقيل : إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب{[15194]} .

قلت : ويحتمل أن يكون المعنى : أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون . " فإذا هي تمور " أي تذهب وتجيء . والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء . قال الشاعر :

رَمَيْنَ فَأَقْصَدْنَ القلوب ولن ترى *** دَماً مَائِراً إلا جَرَى في الحَيَازِمِ

جمع حيزوم وهو وسط الصدر . وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض فهو المور . وقال المحققون : أمنتم من فوق السماء ، كقوله : " فسيحوا في الأرض{[15195]} " [ التوبة : 2 ] أي فوقها لا بالمماسة والتحيز ، لكن بالقهر والتدبير . وقيل : معناه أمنتم من على السماء ، كقوله تعالى : " ولأصلبنكم في جذوع النخل{[15196]} " [ طه : 71 ] أي عليها . ومعناه أنه مديرها ومالكها ، كما يقال : فلان على العراق والحجاز ، أي واليها وأميرها . والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة ، مشيرة إلى العلو ؛ لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند . والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السُّفل والتحت . ووصفه بالعلو والعظمة ، لا بالأماكن والجهات والحدود ، لأنها صفات الأجسام . وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء ، لأن السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته ؛ كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة ، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان . ولا مكان له ولا زمان . وهو الآن على ما عليه كان . وقرأ قنبل عن ابن كثير " النشور وأمنتم " بقلب الهمزة الأولى واوا وتخفيف الثانية . وقرأ الكوفيون والبصريون وأهل الشام سوى أبي عمرو وهشام بالتخفيف في الهمزتين ، وخفف الباقون . وقد تقدم جميعه .


[15194]:كلمة "العذاب" ساقطة من ح، س، هـ.
[15195]:راجع جـ 8 ص 64.
[15196]:راجع جـ 11 ص 224.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (16)

ولما لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار على الخلاف ، قال مهدداً للمكذبين بعذاب دون عذاب جهنم ، منكراً عليهم الأمان ، بعد إقامة الدليل على أن بيده الملك ، وأنه قادر على ما يريد منه بأسباب جنوده {[66955]}وبغير سبب ، مقرراً{[66956]} بعد تقرير حاجة الإنسان وعجزه ، أنه لا حصن له و{[66957]}لا مانع له بوجه من عذاب الله ، فهو دائم الافتقار ملازم للصغار : { أأمنتم } أي أيها المكذبون ، وخاطبهم بما كانوا يعتقدون مع أنه{[66958]} إذا حمل على الرتبة وأول السماء بالعلو ، أو جعل كناية عن التصرف ، لأن العادة جرت غالباً أن من كان في شيء كان متصرفاً فيه ، صح من غير تأويل فقال : { من في السماء } أي على زعمكم ، العالية قاهرة لكم ، أو{[66959]} المعنى : من الملائكة الغلاظ الشداد الذين صرفهم في{[66960]} مصالح العباد{[66961]} ، أو المعنى : في غاية العلو رتبة ، أو أن ذلك إشارة إلى أن في السماء أعظم أمره ، لأنها ترفع إليها أعمال عباده ، وهي مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس والسلطان والكبرياء ، وجهة العرش ، ومعدن المطهرين والمقربين من الملائكة ، الذين أقامهم الله في تصريف أوامره ونواهيه ، والذي دعا إلى مثل هذا التأويل السائغ الماشي على لسان العرب قيام{[66962]} الدليل القطعي على أنه سبحانه ليس بمتحيز في جهة ، لأنه محيط فلا يحاط به ، لأن ذلك لا يكون إلا لمحتاج ؛ ثم أبدل من " من " بدل اشتمال فقال : { أن } .

ولما كانت قدرته على ما يريد بلا واسطة كقدرته بالواسطة ، وقدرته إذا كان الواسطة جمعاً كقدرته إذا كان واحداً ، لأن الفاعل على كل تقدير حقيقة هو لا غيره ، وحد بما يقتضيه لفظ " من " إشارة إلى هذا المعنى سواء أريد ب " من " هو سبحانه أو ملائكته أو واحد{[66963]} منهم فقال{[66964]} : { يخسف } أي أأمنتم خسفه ، ويجوز أن يراد ب " من " الله سبحانه وتعالى كما مضى خطاباً على زعمهم وظنهم أنه في السماء ، وإلزاماً لهم بأنه كما قدر على الإمطار والإنبات وغيرهما من التصرفات في الأرض ، فهو يقدر على غيره { بكم الأرض } كما خسف بقارون وغيره .

ولما كان الذي يخسف به من الأرض ، يصير كالساقط في الهواء ، وكان الساقط في الهواء{[66965]} يصير يضطرب{[66966]} ، سبب عن ذلك قوله : { فإذا هي } أي الأرض التي أنتم بها { تمور * } أي تضطرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه ، قال في القاموس : المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك .


[66955]:- من ظ وم، وفي الأصل: مقررا بغير سبب تقريرا.
[66956]:- من ظ وم، وفي الأصل: مقررا بغير سبب تقريرا.
[66957]:- زيد من ظ وم.
[66958]:- زيد من ظ وم.
[66959]:- زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66960]:- من ظ وم، وفي الأصل: المصالح.
[66961]:- من ظ وم، وفي الأصل: المصالح.
[66962]:- زيد من ظ وم.
[66963]:- من م، في الأصل وظ: واحدا.
[66964]:- زيد من ظ وم.
[66965]:- زيد من ظ وم.
[66966]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغيظ.