في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

16

ومن ثم يدعوهم إلى السباق في ميدان السباق الحقيقي ، للغاية التي تستحق السباق . الغاية التي تنتهي إليها مصائرهم ، والتي تلازمهم بعد ذلك في عالم البقاء :

( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم ) . .

فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق ، وتركوا عالم اللهو اللعب للأطفال والصغار ! إنما السباق إلى ذلك الأفق ، وإلى ذلك الهدف ، وإلى ذلك الملك العريض : ( جنة عرضها كعرض السماء والأرض ) . .

وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز ، وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية . كذلك الحديث الذي أسلفنا عن أصحاب الغرف التي يتراءاها سكان الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب . . فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود ، فإن الحديث عن عرض الجنة ، والحديث عن تراءي الغرف من بعيد ، يقع قطعا موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة ، ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقا ! فإن ما بين الأرض والشمس مثلا لا يبلغ أن يكون شيئا في أبعاد الكون يقاس !

وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد ، ويسابق إليه كل من يشاء . وعربونه : الإيمان بالله ورسله . ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) . . ( والله ذو الفضل العظيم ) . . وفضل الله غير محجوز ولا محجور . فهو مباح متاح للراغبين والسابقين . وفي هذا فليتسابق المتسابقون ، لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان !

ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير ؛ ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير . . لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة . هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم ، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس . ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة ، وأوسع من هذه الأرض ، وأبقى من ذلك الفناء . .

إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة . وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون ؛ وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد . والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه !

ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير . مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال . يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير . ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد . وفي ملك الآخرة الواسع العريض . وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة . . وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها ، لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

20

المفردات :

في الأرض : كالجدب والفاقة .

التفسير :

21- { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

بادروا وسارعوا مسارعة المتسابقين إلى أسباب مغفرة الله لكم ، وذلك بالتوبة النصوح ، والعمل الصالح ، وإخلاص النية ، وبادروا وسارعوا إلى عمل صالح يكون وسيلة لجنّة واسعة ، عرضها كعرض السماء والأرض معا ، وإذا كان هذا قدر عرضها ، فما ظنك بطولها ؟

هذه الجنة أعدّها الله ، وجعلها كاملة الأوصاف ، فيها ألوان النعيم ، والحور العين ، والأنهار والأشجار ، والظلال والآرائك ، وألوان الطعام والشراب والفاكهة ، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وفيها الخلود الأبديّ السرمدي ، وقد أعدها الله للذين آمنوا بالله ورسله ، وصدقوا بذلك عن يقين ، وعملوا بما أمر الله ، واجتنبوا نواهيه .

{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . . . }

هو تفضّل منه ورحمة ، وحنان وعناية ، وعطف وبر بالصالحين ، فهو الذي هداهم ووفقهم ، ثم أعدّ لهم الجنة ، فضلا منه ونعمة .

{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

والله تعالى صاحب الفضل العظيم الواسع ، فما أجل أنعمه ، وما أعظم فضله ، وما أجل هدايته وتوفيقه ، { وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها . . . } ( إبراهيم : 34 ) .

يقول أحد السلف الصالح : أنفس هو خالقها ، وأموال هو رازقها ، يطلبها منا ثم يعطينا عليها الجنة ، إن هذا لفضل عظيم .

يشير إلى قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . . . } ( التوبة : 111 ) .

فيا سعادة من أدرك السباق ، ومن حظي بالإيمان واليقين ، ومن فاز بجنة عرضها كعرض السماوات السبع والأرضين ، ويا سعادة من أنعم الله عليه بفضله ، وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم .

جاء في الحديث الصحيح : أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، وبالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال : " وما ذاك " ؟ قالوا : يصلّون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، قال : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم ، إلا من صنع مثلما صنعتم ؟ تسبّحون وتحمدون وتكبرون دُبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " ، قال : فرجعوا ، فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ، ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " 21 .

فالسعيد حقا من تعرض لفضل الله وعنايته ، وحبه ورعايته ، فمن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء .

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** ثم فالمخاوف كلهن أمان

ويقول الشاعر :

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده

وإذا كان من الله عون للفتى *** تهيأ له في كل أمر مراده

إن ثمن دوام الإخلاص ، واليقين بالله ، والحرص على رضاه ، والبعد عن معصيته ، وإظهار العجز والضعف أمام قدرته ، والحرص على أن ينظر منك إلى قلب طاهر ، ونفس مطمئنة وزهد في الدنيا ، وحرص على الآخرة ، واتباع لهدى القرآن ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم للصحابة والتابعين ، وغيرة على الإسلام والمسلمين ، حتى تحظى بحبّه ورضاه .

قال تعالى : يحبّهم ويحبّونه . . . ( المائدة : 54 ) .

وفي الحديث الصحيح : " ما تقرب عبدي إليّ بشيء أحبّ إليّ من أداء ما افترضته عليه ، ولا يرى عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن سألني لأعطينه " 22

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ثم بعد أن بين الله أن الآخرة قريبة ، فيها العذابُ والنعيم ، حثَّ إلى المبادرة إلى فعل الخيرات فقال : { سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ . . . . }

تسابَقوا أيها المؤمنون ، في عملِ الخير ، حتى تنالوا مغفرة من ربكم ، وتدخلوا جنةً سعتُها كسعة السماء والأرض ، هُيئت للذين آمنوا واتقَوا ربهم ، { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم } فهو واسعُ العطاء عظيم الفضل ، يُعطي من يشاء بغير حساب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته ، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة ، من التوبة النصوح ، والاستغفار النافع ، والبعد عن الذنوب ومظانها ، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح ، والحرص على ما يرضي الله على الدوام ، من الإحسان في عبادة الخالق ، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع ، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك ، فقال : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان بالله ورسله{[993]}  يدخل فيه أصول الدين وفروعها ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } أي : هذا الذي بيناه لكم ، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة ، والطرق الموصلة إلى النار ، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم{[994]}  من أعظم منته على عباده وفضله . { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } الذي لا يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده{[995]} .


[993]:- كذا في ب، وفي أ: ورسوله.
[994]:- في ب: وأن ثواب الله بالأجر الجزيل، والثواب الجميل.
[995]:- في ب: أحد من خلقه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

قوله تعالى : { سابقوا } سارعوا ، { إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } لو وصل بعضها ببعض ، { أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } فبين أن أحداً لا يدخل الجنة إلا بفضل الله .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم } ذكر في سورة آل عمران عند قوله { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } الآية

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

قوله تعالى : " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " أي سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم . وقيل : سارعوا بالتوبة ، لأنها تؤدي إلى المغفرة ، قاله الكلبي . وقيل التكبيرة الأولى مع الإمام ، قاله مكحول . وقيل : الصف الأول . " وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " لو وصل بعضها ببعض . قال الحسن : يعني جميع السموات والأرضين مبسوطتان كل واحدة إلى صاحبتها . وقيل : يريد لرجل واحد أي لكل واحد جنة بهذه السعة . وقال ابن كيسان : عني به جنة واحدة من الجنات . والعرض أقل من الطول ، ومن عادة العرب أنها تعبر عن سعة الشيء بعرضه دون طوله . قال :

كأن بلادَ الله وهي عريضةٌ *** على الخائفِ المطلوب كِفَّةُ حَابِلِ

وقد مضى هذا كله في " آل عمران{[14724]} " . وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل الحيرة لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عز وجل : " وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " فأين النار ؟ فقال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا ولى وجاء النهار أين يكون الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله .

" أعدت للذين آمنوا بالله ورسله " شرط الإيمان لا غير ، وفيه تقوية الرجاء . وقد قيل : شرط الإيمان هنا وزاد عليه في " آل عمران{[14725]} " فقال : " أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " [ آل عمران : 133 ] " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " أي أن الجنة لا تنال ولا تدخل إلا برحمة الله تعالى وفضله . وقد مضى هذا في " الأعراف{[14726]} " وغيرها . " والله ذو الفضل العظيم " .


[14724]:راجع جـ 4 ص 204.
[14725]:راجع جـ 4 ص 206.
[14726]:راجع جـ 7 ص 209.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ولما بين أن الدنيا خيال ومحال ليصرف الكملة من العباد عنها لسفولها وحقارتها ، وأن الآخرة بقاء وكمال ليرغبوا غاية الرغبة فيها وليشتاقوا كل{[62575]} الاشتياق لكمالها وشرفها وجلالها ، أنتج ذلك قوله تعالى : { سابقوا } أي افعلوا في السعي{[62576]} لها بالأعمال الصالحة حق السعي فعل من يسابق شخصاً فهو يسعى ويجتهد غاية الاجتهاد في سبقه ، ولكن ربما كان قرينه بطيئاً فسار هويناً ، وأما المسارعة فلا تكون إلا بجهد النفس من الجانبين مع السرعة في العرف ، فآية آل عمران الآمرة بالمسارعة الأخص من المسابقة{[62577]} أبلغ لأنها للحث على التجرد عن النفس والمال وجميع الحظوظ أصلاً ورأساً ، ولذلك كانت جنتها للمتقين الموصوفين . وأما هذه ففي سياق التصديق الذي هو تجرد عن فضول الأموال ولذلك كانت جنته{[62578]} للذين آمنوا .

ولما كان المقام عظيماً ، والإنسان - وإن بذل الجهد - ضعيفاً ، لا يسعه إلا العفو سواء كان سابقاً أو لاحقاً من الأبرار والمقربين ، نبه على ذلك بقوله في السابقين ؛ { إلى مغفرة } أي ستر{[62579]} لذنوبكم عيناً وأثراً { من ربكم } أي المحسن إليكم بأن رباكم وطوركم بعد الإيجاد بأنواع الأسباب بأن تفعلوا أسباب ذلك بامتثال أوامره سبحانه واجتناب زواجره . ولما كان المقصود من المغفرة ما يترتب عليها من نتيجتها قال : { وجنة } أي وبستان هو من عظم أشجارها واطراد أنهارها بحيث يستر داخله . ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالسعة قال : { عرضها } أي فما ظنك بطولها . ولما كان السياق كما بين للتجرد عن فضول الأموال فقط لأن الموعود به دون ما في آل عمران فأفرده وصرح بالعرض فقال : { كعرض السماء والأرض } أي لو وصل بعضها ببعض ، فآية آل عمران تحتمل الطول وجميع السماوات والأرض على هيئتها ، ويحتمل أن يكون ذلك على تقدير أن تقد{[62580]} كل واحدة منهما ويوصل رأس{[62581]} كل قدة برأس الأخرى ، وتمتد جميع القدات إلى نهايتها على مثل الشراك ، وهذه الآية ظاهرها{[62582]} عرض واحد وأرض واحدة { أعدت } أي هيئت هذه الجنة الموعود بها وفرغ من أمرها بأيسر أمر { للذين آمنوا } أي أوقعوا هذه الحقيقة وهم من هذه الأمة إيقاعاً لا ريب معه ولو أنه على أدنى الوجوه فكانوا من السابقين ، وهذا يدل على أن الجنة موجودة الآن في آيات كثيرة ، وأن الإيمان كاف في استحقاقها ، وأحاديث الشفاعة مؤيدة لذلك { بالله } أي الذي له جميع العظمة لأجل ذاته{[62583]} مخلصين له بالإيمان { ورسله } فلم يفرقوا بين أحد منهم ، فهذه الجنة غير مذكورة في آل عمران ، وإن قيل : إن السماء هنا للجنس لكون السياق فيه الصديقون والشهداء كانت أبلغته تلك بالتصريح بالجمع وعدم التصريح بالعرض لكونها في سياق صرح فيه بالجهاد ، وقد جرت السنة الإلهية بإعظام المواعيد للمجاهدين لشدة الخطر في أمر النفس وصعوبة الخروج عنها وعن جميع المألوفات .

ولما كان من ذكر من الوعد بالمغفرة والجنة عظيماً لا سيما لمن آمن ولو كان إيمانه على أعلى الدرجات ومع{[62584]} التجرد من جميع الأعمال ، عظمه بقوله رداً على من يوجب عليه سبحانه شيئاً من ثواب أو عقاب : { ذلك } أي الأمر العظيم جداً { فضل الله } أي الملك الذي لا كفوء له فلا اعتراض عليه { يؤتيه من يشاء } ولعل التعبير بالمضارع للإشارة إلى هذا خاص بهذه الأمة التي هي أقل عملاً وأكثر أجراً ، فإذا حسدهم أهل الكتاب قال تعالى : هل{[62585]} ظلمتكم من أمركم شيئاً ، فإذا قالوا : لا ، لأن المصروف من الأجر لجميع الطوائف على حسب الشرط ، قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء . { والله } أي والحال أن الملك المختص بجميع صفات الكمال فله الأمر كله { ذو الفضل العظيم * } أي الذي جل عن أن يحيط بوصفه العقول .


[62575]:- من ظ، وفي الأصل: عاته..
[62576]:- من ظ، وفي الأصل: بالسعي.
[62577]:- من ظ، وفي الأصل: المسافة.
[62578]:- زيد من ظ.
[62579]:- من ظ، وفي الأصل: ساتر.
[62580]:- من ظ، وفي الأصل: تقدير.
[62581]:- زيد من ظ.
[62582]:- من ظ، وفي الأصل: ظاهره.
[62583]:- من ظ وفي الأصل: وأنه.
[62584]:- من ظ، وفي الأصل: من.
[62585]:- زيد من ظ.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }

{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } لو وصلت إحداهما بالأخرى والعرض : السعة { أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

قوله : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } يعني بادروا بالتوبة إلى الله واعملوا الصالحات وافعلوا الطاعات ، وذلك يقتضي المغفرة لكم من ربكم { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } أي لو وصل بعضها ببعض لكانت في امتدادها مثل عرض الجنة التي وعدها المؤمنون المتقون وهو قوله : { أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } .

قوله : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } الإشارة عائدة إلى الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض فإنها فضل من الله تفضل به على المؤمنين والله يؤتي فضله من يشاء من عباده وهو المتفضّل العظيم{[4464]} .


[4464]:تفسير النسفي جـ 4 ص 227 وتفسير البيضاوي ص 717 وتفسير الطبري جـ 27 ص 134.