لا جرم : حق وثبت ، أو لا محالة .
ليس له دعوة : مستجابة أو استجابة دعوة .
مردنا إلى الله : رجوعنا بعد الموت إليه تعالى .
43- { لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار } .
أي : حقّ وثبت وصحّ عقلا وواقعا أن الذي تدعونني إليه من عبادة الأوثان ليس له أي دعوة مستجابة ، فلا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنه جماد لا يسمع ولا يبصر ، ولا ينفع ولا يضر .
{ وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار } .
وأن مرجعنا إلى الله تعالى يوم القيامة ، حيث يكون الجزاء الحسن للطائعين العابدين المخلصين ، أما من أسرف في المعاصي وأشرك بالله ، وتعدّى حدود الله ، وانغمس في الشرك والوثنية ، فإنه من أصحاب النار ، الخالدين فيها بإسرافهم .
وفي معنى الآية قوله تعالى : { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } . ( فاطر : 14 ) .
وقوله سبحانه : { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } . ( الأحقاف : 6 ، 5 ) .
{ لَا جَرَمَ } أي : حقًا يقينًا { أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ } أي : لا يستحق من الدعوة إليه ، والحث على اللجأ إليه ، في الدنيا ولا في الآخرة ، لعجزه ونقصه ، وأنه لا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ، ولا نشورًا .
{ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ } تعالى فسيجازي كل عامل بعمله . { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } وهم الذين أسرفوا على أنفسهم بالتجرؤ{[770]} على ربهم بمعاصيه والكفر به ، دون غيرهم .
" لا جرم " تقدم الكلام فيه{[13381]} ، ومعناه حقا . " أنما تدعونني إليه " " ما " بمعنى الذي " ليس له دعوة " قال الزجاج : ليس له استجابة دعوة تنفع . وقال غيره : ليس له دعوة توجب له الألوهية " في الدنيا ولا في الآخرة " وقال الكلبي : ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة . وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام ، ثم دعاهم إلى عبادة البقر ، فكانت تعبد ما كانت شابة ، فإذا هرمت أمر بذبحها ، ثم دعا بأخرى لتعبد ، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى . " وأن المسرفين هم أصحاب النار " قال قتادة وابن سيرين يعني المشركين . وقال مجاهد والشعبي : هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها . وقال عكرمة : الجبارون والمتكبرون . وقيل : هم الذي تعدوا حدود الله . وهذا جامع لما ذكر . و " أن " في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر . وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن " لا جرم " رد لكلام يجوز أن يكون موضع " أن " رفعا على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه ، كأنه قال : وجب بطلان ما تدعونني إليه ، والمرد إلى الله ، وكون المسرفين هم أصحاب النار .
قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ( 43 ) } سياق لا جرم : أن تكون لا ، رذّا لما دعاه قومه من إشراك بالله . وجرم بمعنى حق ووجب ؛ أي حق ووجب بطلان دعوته . ويجوز أن يكون لا جرم ، نظير لابد . من الجرم وهو القطع ، فكما أنك لابدّ لك أن تفعل . والبُدّ من التبديد الذي هو التفريق . ومعناه لا مفارقة لك من فعل كذا ؛ فكذلك لا جرم معناه : لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام { أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآَخِرَةِ } أي أن الذي تدعونني إليه من الأصنام والشركاء ليس له دعوة إلى نفسه قط ، ومن حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته . وما تدعو إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ، أو لا يجيب داعيه في الدنيا ولا في الآخرة ؛ فهو في الدنيا جماد لا يستطيع شيئا من دعاء أو غيره ، وفي الآخرة يتبرأ من الدعاء ومن عبدته .
قوله : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ } نحن جميعا صائرون إلى الله يوم القيامة ، محشورون بين يديه لملاقاة الحساب والجزاء { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } المراد بالمسرفين ، المشركون المكذبون بيوم الدين . وقيل : هم الذين غلب شرهم خيرهم . فأولئك يصار بهم إلى النار لتكون لهم مستقرا ومقاما .