في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

وفي ظلال هذا الحادث الذي كان وقعه عميقا في نفوس المسلمين ، يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ، في قوا أنفسهم وأهليهم من النار . ويرسم لهم مشهدا من مشاهدها . وحال الكفار عندها . وفي ظلال الدعوة إلى التوبة التي وردت في سياق الحادث يدعو الذين آمنوا إلى التوبة ، ويصور لهم الجنة التي تنتظر التائبين . ثم يدعو النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلى جهاد الكفار والمنافقين . . وهذا هو المقطع الثاني في السورة :

( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون . يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون . يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير . يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ، ومأواهم جهنم وبئس المصير ) . .

إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة . فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله ، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك . إنها نار . فظيعة متسعرة : ( وقودها الناس والحجارة ) . . الناس فيها كالحجارة سواء . في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة ، وفي قذف الحجارة . دون اعتبار ولا عناية . وما أفظعها نارا هذه التي توقد بالحجارة ! وما أشده عذابا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة ! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب : ( عليها ملائكة غلاظ شداد ) . تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون . . ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) . . فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم . . وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة . وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار . وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار . فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف ، فلا يؤبه لاعتذارهم ، بل يجبهون بالتيئيس :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

توجيهات للمؤمنين

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( 6 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 7 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 8 ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 9 ) }

6

المفردات :

قوا أنفسكم : اجعلوا لها وقاية من النار بترك المعاصي .

وأهليكم : بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب .

الوقود : ( بفتح الواو ) ما توقد به النار .

الحجارة : الأصنام التي تعبد ، قال تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَبُ جهنم . . . ( الأنبياء : 98 ) .

ملائكة : هم خزنة جهنم التسعة عشر .

غلاظ : غلاظ القلوب ، لا يرحمون إذا استُرحموا .

شداد : أقوياء الأبدان ، شداد الأفعال .

التفسير :

6-{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .

بعد أن حذّرت الآيات السابقة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من إيذائه ، توجهت هذه الآيات إلى نصح المؤمنين بالتوبة والاستقامة والعمل الصالح ، وأن يجعلوا بين أنفسهم وبين النار وقاية وحماية ، وذلك بعمل المأمورات وترك المنهيات ، واجتناب الشبهات .

أما وقايتهم لأهليهم من النار ، فذلك بحملهم على الطاعات ، وأمرهم بالصلوات ، وإلزامهم بآداب الإسلام ، ورعايتهم وتأديبهم .

قال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } . ( طه : 132 ) .

قال قتادة : تأمر أهلك بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت معصية قدعتهم عنها ، وزجرتهم عنها . 1ه .

وروى أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرّقوا بينهما في المضاجع " . 8

وروى الترمذي ، والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن " 9

صفة النار أعادنا الله منها

{ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ . . . }

إن أمر هذه النار يدعو إلى العجب ، لأن نار الدنيا تتقد بالحطب ، أما نار الآخرة فإنها تتقد بأجسام الكفار والمشركين ، وبالأصنام التي عُبدت من دون الله ، وقد ورد في وصف جهنم وأهوالها وعذابها آيات وأحاديث كثيرة ، لتحذير الناس منها ، وكثيرا ما قارن القرآن بين نعيم أهل الجنة وعذاب أهل لنار

قال تعالى : { كمن هو خالد في النار وسُقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم } . ( محمد : 15 ) .

{ علَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ . . } .

يحيط بالنار زبانية .

قال تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ( 29 ) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( 30 ) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا . . . }( المدثر : 29-31 ) .

{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .

فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم ، وهم بغلظتهم هذه وشدتهم مُوكّلون بهذه النار الشديدة الغليظة .

وعلى المؤمن أن يقي نفسه ، وأن يقي أهله هذه النار ، قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قُوا أنفسكم : احفظوها ، و اجعلوا لها وقاية من النار بترك المعاصي .

الوقود : حطب النار وكل ما توقد به .

الحجارة : الأصنام التي تعبد من دون الله .

غلاظ : شديدون لا يرحمون .

بعد أن عالجت الآياتُ السابقة ما يجري في بيوت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعاتَبَ الله تعالى الرسولَ الكريم على تحريمه بعضَ ما أحلّ الله له ، كما شدّد على نسائه أن يلتزمن الطاعةَ والتوبة والإخلاصَ للرسول الكريم ، بيّن هنا للمؤمنين عامةً أن يحفظوا أنفسَهم وأهلِيهم من النار بالتزامِ طاعةِ الله ورسوله ، تلك النار التي سيكون وقودُها يومَ القيامة العصاةَ من الناس والحجارةَ التي كانت تُعبَد من دونِ الله كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ، ويقومُ على أمر هذه النار ملائكةٌ شديدون ، يفعلون

ما يُؤمرون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } أي خذوا أنفسكم وأهليكم بما يقرب من الله تعالى وجنبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي { وقودها الناس والحجارة } أي توقد بهذين الجنسين { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } يعني خزنة جهنم

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم } بالحمل على طاعة الله { نارًا وقودها الناس } الكفار { والحجارة } كأصنامهم منها ، يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه { عليها ملائكة } خزنتها عدتهم تسعة عشر كما سيأتي في ( المدثر ) { غلاظ } م غلظ القلب { شداد } في البطش { لا يعصون الله ما أمرهم } بدل من الجلالة ، أي لا يعصون أمر الله { ويفعلون ما يؤمرون } تأكيد والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم