فإذا لم يستطيعوا الفرار ، لأن الداعي واجههم مواجهة ، وتحين الفرصة ليصل إلى أسماعهم بدعوته ، كرهوا أن يصل صوته إلى أسماعهم . وكرهوا أن تقع عليه أنظارهم ، وأصروا على الضلال ، واستكبروا عن الاستجابة لصوت الحق والهدى : ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) . . وهي صورة لإصرار الداعية على الدعوة وتحين كل فرصة ليبلغهم إياها ؛ وإصرارهم هم على الضلال . وتبرز من ثناياها ملامح الطفولة البشرية العنيدة . تبرز في وضع الأصابع في الآذان ، وستر الرؤوس والوجوه بالثياب . والتعبير يرسم بكلماته صورة العناد الطفولي الكامل ، وهو يقول : إنهم ( جعلوا أصابعهم في آذانهم )وآذانهم لا تسع أصابعهم كاملة ، إنما هم يسدونها بأطراف الأصابع . ولكنهم يسدونها في عنف بالغ ، كأنما يحاولون أن يجعلوا أصابعهم كلها في آذانهم ضمانا لعدم تسرب الصوت إليها بتاتا ! وهي صورة غليظة للإصرار والعناد ، كما أنها صورة بدائية لأطفال البشرية الكبار !
جعلوا أصابعهم في آذانهم : سدّوا مسامعهم عن استماع الدعوة .
استغشوا ثيابهم : بالغوا في التغطّي بها كراهة لي .
أصرّوا : تشدّدوا وانهمكوا في الكفر .
7- وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا .
إنها صورة معبّرة عن فرار هؤلاء القوم من دعوته ، وخوفهم من مقابلته ، وإصرارهم على العناد والمكابرة ، فكلما دعاهم نوح إلى الله ليغفر لهم ذنوبهم ، أعرضوا عنه إعراضا شديدا ، ووضعوا أنامل أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا صوته .
والتعبير هنا يوحى بأنهم حاولوا وضع أصابعهم كلها في آذانهم ، ليتأكدوا من أنّ صوت نوح لن يصل إليهم ، لذلك قال : جعلوا أصابعهم في آذانهم . . . ولم يقل : جعلوا أناملهم في آذانهم .
كما أنّهم جعلوا ثيابهم فوق وجوههم ، حتى لا يشاهدوا نوحا ، رغبة في الإصرار على الكفر والعناد ، وقد أصرّوا على كفرهم ، واستكبروا استكبارا شديدا في عناد وتكبّر ، وعدم استجابة لدعوة نوح عليه السلام .
وقد أخبر القرآن الكريم عن كفار قريش بما يثبت عنادهم وتكبّرهم ، فقال : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون . ( فصلت : 26 ) .
قوله تعالى : " وإني كلما دعوتهم " أي إلى سبب المغفرة ، وهي الإيمان بك والطاعة لك . " جعلوا أصابعهم في آذانهم " لئلا يسمعوا دعائي " واستغشوا ثيابهم " أي غطوا بها وجوههم لئلا يروه . وقال ابن عباس : جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامه . فاستغشاء الثياب إذا زيادة في سد الآذان حتى لا يسمعوا ، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت أو ليعرفوه إعراضهم عنه . وقيل : هو كناية عن العداوة . يقال : لبس لي فلان ثياب العداوة . " وأصروا " أي على الكفر فلم يتوبوا . " واستكبروا " عن قبول الحق ؛ لأنهم قالوا : " أنؤمن لك واتبعك الأرذلون{[15381]} " [ الشعراء : 111 ] . " استكبارا " تفخيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.