في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

36

( أليس الله بكاف عبده ? ويخوفونك بالذين من دونه . ومن يضلل الله فما له من هاد . ومن يهد الله فما له من مضل . أليس الله بعزيز ذي انتقام ? ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله . قل : أفرأيتم ما تدعون من دون الله ، إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ? قل : حسبي الله ، عليه يتوكل المتوكلون . قل : يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذابيخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) . .

هذه الآيات الأربع تصور منطق الإيمان الصحيح ، في بساطته وقوته ، ووضوحه ، وعمقه . كما هو في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وكما ينبغي أن يكون في قلب كل مؤمن برسالة ، وكل قائم بدعوة . وهي وحدها دستوره الذي يغنيه ويكفيه ، ويكشف له الطريق الواصل الثابت المستقيم .

وقد ورد في سبب نزولها أن مشركي قريش كانوا يخوفون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من آلهتهم ، ويحذرونه من غضبها ، وهو يصفها بتلك الأوصاف المزرية بها ، ويوعدونه بأنه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى . . .

ولكن مدلول هذه الآيات أوسع وأشمل . فهي تصور حقيقة المعركة بين الداعية إلى الحق وكل ما في الأرض من قوى مضادة . كما تصور الثقة واليقين والطمأنينة في القلب المؤمن ، بعد وزن هذه القوى بميزانها الصحيح .

( أليس الله بكاف عبده )?

بلى ! فمن ذا يخيفه ، وماذا يخيفه ? إذا كان الله معه ? وإذا كان هو قد اتخذ مقام العبودية وقام بحق هذا المقام ? ومن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده ?

( ويخوفونك بالذين من دونه ) . .

فكيف يخاف ? والذين من دون الله لا يخيفون من يحرسه الله . وهل في الأرض كلها إلا من هم دون الله ?

إنها قضية بسيطة واضحة ، لا تحتاج إلى جدل ولا كد ذهن . . إنه الله . ومَن هم دون الله . وحين يكون هذا هو الموقف لا يبقى هنالك شك ولا يكون هناك اشتباه .

وإرادة الله هي النافذة ومشيئته هي الغالبة . وهو الذي يقضي في العباد قضاءه . في ذوات أنفسهم ، وفي حركات قلوبهم ومشاعرهم :

( ومن يضلل الله فما له من هاد . ومن يهد الله فما له من مضل ) . . .

وهو يعلم من يستحق الضلالة فيضله ، ومن يستحق الهدى فيهديه . فإذا قضى بقضائه هكذا أو هكذا فلا مبدل لما يشاء .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

32

المفردات :

بكاف عبده : بحافظ ومانع رسوله مما يخوّفونه به .

التفسير :

36- { أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد } .

سبب النزول :

كان المشركون يخوفون رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذاء الأصنام التي يعبدونها له صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : أتسب آلهتنا ؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنّك أو لتصيبنك بسوء .

وقال قتادة :

مشى خالد بن الوليد إلى العزّى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادتها : نحذّركها يا خالد ، فإن لها شدّة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزّى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس ، وقد أنزل الله هذه الآية تأكيدا لفضل الله ، وعظيم رعايته لرسوله وللمؤمنين ، وأن الأصنام لا تملك نفعا ولا ضرّا ، فهو سبحانه النافع الضار .

{ أليس الله بكاف عبده . . . }

استفهام للتقرير والإثبات ، فقد دخلت همزة الاستفهام على النفي لإفادة التقرير ، والجواب : بلى الله تعالى حافظ عبده .

والمعنى :

الله تعالى يحفظ رسوله ويكفيه كل سوء ، ويمنع عنه كل أذى وكل ضرّ .

{ ويخوّفونك بالذين من دونه . . . } .

ويخوفك المشركون من الأصنام والأوثان ، حتى تكفّ عن عيبها وذمّها ، مع أنها عاجزة لا تنفع ولا تضرّ .

{ ومن يضلل الله فما له من هاد } .

من أضله الله تعالى وسلب عنه التوفيق والهدى ، يتركه محبّا للفسوق والكفر ، غارقا في بحار الضلال ، لا يجد هاديا يهديه .

وفي معنى الآية قوله تعالى : { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } . ( البقرة : 137 ) .

وقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم : { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } . ( الأنعام : 81 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

ثم بين الله تعالى أنه مع رسوله الكريم ، فلا يستطيع أحد أن يؤذي ذلك الرسول والله وحده يكفيه كل ما يهمه . إنهم يخوفونك يا محمد بآلهتهم وأصنامهم ، وذلك من ضلالهم وتعاستهم . يقولون لك : أتسبّ آلهتنا ؟ لئن لم تكفّ عنها لنصيبنّك بسوء . لا تخف منهم فإنهم لن يضرّوك أبدا .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي وخلف : { أليس الله بكافٍ عبادَه } بالجمع ، والباقون : { عبده } بالإفراد .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

وقوله { أليس الله بكاف عبده } يعني محمدا صلوات الله عليه ينصره ويكفيه أمر من يعاديه { ويخوفونك بالذين من دونه } أي يخوفونك بأوثانهم يقولون إنك لتعيبها وإنها لتصيبنك بسوء

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

قوله تعالى : " أليس الله بكاف عبده " حذفت الياء من " كاف " لسكونها وسكون التنوين بعدها ، وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين ، إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل . ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول : كافي . وقراءة العامة " عبده " بالتوحيد يعني محمدا صلى الله عليه وسلم يكفيه الله وعيد المشركين وكيدهم . وقرأ حمزة والكسائي " عباده " وهم الأنبياء أو الأنبياء والمؤمنون بهم . واختار أبو عبيدة قراءة الجماعة لقوله عقيبه : " ويخوفونك بالذين من دونه " . ويحتمل أن يكون العبد لفظ الجنس ، كقوله عز من قائل : " إن الإنسان لفي خسر " [ العصر :2 ] وعلى هذا تكون القراءة الأولى راجعة إلى الثانية . والكفاية شر الأصنام ، فإنهم كانوا يخوفون المؤمنين بالأصنام ، حتى قال إبراهيم عليه السلام . " وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله " [ الأنعام : 81 ] . وقال الجرجاني : إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر ، هذا بالثواب وهذا بالعقاب .

قوله تعالى : " ويخوفونك بالذين من دونه " وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم مضرة الأوثان ، فقالوا : أتسب آلهتنا ؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أوتصيبنك بسوء . وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس . فقال له سادنها : أحذركها يا خالد ، فإن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس . وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه الذي وجه خالدا . ويدخل في الآية تخويفهم النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة جمعهم وقوتهم ، كما قال : " أم يقولون نحن جميع منتصر " [ القمر : 44 ] " ومن يضلل الله فما له من هاد " تقدم .