السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

وقوله تعالى : { أليس الله } أي : الجامع لصفات الكمال كلها المنعوت بنعوت العظمة والجلال { بكاف عبده } أي : الخالص له استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر العين وفتح الباء الموحدة وألف بعدها على الجمع ، وقرأ الباقون بفتح العين وسكون الباء على الإفراد ، فقراءة الإفراد محمولة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الجمع على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن قومهم قصدوهم بالسوء كما قال الله تعالى { وهمّت كل أمة برسولهم ليأخذوه } ( غافر : 5 ) وكفاهم الله تعالى شر من عاداهم ويحتمل أن يراد بقراءة الإفراد : الجنس فتساوي قراءة الجمع وقيل : المراد أن الله تعالى كفى نوحاً عليه السلام الغرق وإبراهيم عليه السلام الحرق ويونس عليه السلام بطن الحوت فهو سبحانه وتعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك .

{ ويخوّفونك } أي : عباد الأصنام { بالذين من دونه } وذلك أن قريشاً خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معاداة الأوثان ، وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وروي : «أنه صلى الله عليه وسلم بعث خالداً إلى العزى ليكسرها فقال له سادتها أي : خادمها : لا تدركها أحذركها يا خالد إن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إليها فهشم أنفها فنزلت هذه الآية » .

ولما شرح الله الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ختم الكلام بخاتمة هي : الفصل فقال تعالى شأنه { ومن يضلل الله } أي : الذي له الأمر كله { فما له من هاد } أي : يهديه إلى الرشاد .