في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة البروج مكية وآياتها ثنتان وعشرون

هذه السورة القصيرة تعرض ، حقائق العقيدة ، وقواعد التصور الإيماني . . أمورا عظيمة وتشع حولها أضواء قوية بعيدة المدى ، وراء المعاني والحقائق المباشرة التي تعبر عنها نصوصها حتى لتكاد كل آية - وأحيانا كل كلمة في الآية - أن تفتح كوة على عالم مترامي الأطراف من الحقيقة . .

والموضوع المباشر الذي تتحدث عنه السورة هو حادث أصحاب الأخدود . . والموضوع هو أن فئة من المؤمنين السابقين على الإسلام - قيل إنهم من النصارى الموحدين - ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة شريرين ، وأرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم ، فأبوا وتمنعوا بعقيدتهم . فشق الطغاة لهم شقا في الأرض ، وأوقدوا فيه النار ، وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقا ، على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنةبهذه الطريقة البشعة ، ولكي يتلهى الطغاة بمشهد الحريق . حريق الآدميين المؤمنين : ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) . .

تبدأ السورة بقسم : ( والسماء ذات البروج ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود ، قتل أصحاب الأخدود . . )فتربط بين السماء وما فيها من بروج هائلة ، واليوم الموعود وأحداثه الضخام ، والحشود التي تشهده والأحداث المشهودة فيه . . تربط بين هذا كله وبين الحادث ونقمة السماء على أصحابه البغاة .

ثم تعرض المشهد المفجع في لمحات خاطفة ، تودع المشاعر بشاعة الحادث بدون تفصيل ولا تطويل . . مع التلميح إلى عظمة العقيدة التي تعالت على فتنة الناس مع شدتها ، وانتصرت على النار وعلى الحياة ذاتها ، وارتفعت إلى الأوج الذي يشرف الإنسان في أجياله جميعا . والتلميح إلى بشاعة الفعلة ، وما يكمن فيها من بغي وشر وتسفل ، إلى جانب ذلك الارتفاع والبراءة والتطهر من جانب المؤمنين : ( النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) . .

بعد ذلك تجيء التعقيبات المتوالية القصيرة متضمنة تلك الأمور العظيمة في شأن الدعوة والعقيدة والتصور الإيماني الأصيل :

إشارة إلى ملك الله في السماوات والأرض وشهادته وحضوره تعالى لكل ما يقع في السماوات والأرض : الله( الذي له ملك السماوات والأرض . والله على كل شيء شهيد ) . .

وإشارة إلى عذاب جهنم وعذاب الحريق الذي ينتظر الطغاة الفجرة السفلة ؛ وإلى نعيم الجنة . . ذلك الفوز الكبير . . الذي ينتظر المؤمنين الذين اختاروا عقيدتهم على الحياة ، وارتفعوا على فتنة النار والحريق : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات - ثم لم يتوبوا - فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق . إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار . ذلك الفوز الكبير ) . .

وتلويح ببطش الله الشديد ، الذي يبدئ ويعيد : ( إن بطش ربك لشديد . إنه هو يبدئ ويعيد ) . . وهي حقيقة تتصل اتصالا مباشرا بالحياة التي أزهقت في الحادث ، وتلقي وراء الحادث إشعاعات بعيدة . .

وبعد ذلك بعض صفات الله تعالى . وكل صفة منها تعني أمرا . .

( وهو الغفور الودود )الغفور للتائبين من الإثم مهما عظم وبشع . الودود لعباده الذين يختارونه على كل شيء . والود هنا هو البلسم المريح لمثل تلك القروح !

( ذو العرش المجيد . فعال لما يريد ) . . وهي صفات تصور الهيمنة المطلقة ، والقدرة المطلقة ، والإرادة المطلقة . . وكلها ذات اتصال بالحادث . . كما أنها تطلق وراءه إشعاعات بعيدة الآماد .

ثم إشارة سريعة إلى سوابق من أخذه للطغاة ، وهم مدججون بالسلاح . . ( هل أتاك حديث الجنود . فرعون وثمود ? )وهما مصرعان متنوعان في طبيعتهما وآثارهما . ووراءهما - مع حادث الأخدود - إشعاعات كثيرة .

وفي الختام يقرر شأن الذين كفروا وإحاطة الله بهم وهم لا يشعرون : ( بل الذين كفروا في تكذيب . والله من ورائهم محيط ) . .

ويقرر حقيقة القرآن ، وثبات أصله وحياطته : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) . . مما يوحي بأن ما يقرره هو القول الفصل والمرجع الأخير ، في كل الأمور .

هذه لمحات مجملة عن إشعاعات السورة ومجالها الواسع البعيد . تمهد لاستعراض هذه الإشعاعات بالتفصيل :

تبدأ السورة - قبل الإشارة إلى حادث الأخدود - بهذا القسم : بالسماء ذات البروج ، وهي إما أن تكون أجرام النجوم الهائلة وكأنها بروج السماء الضخمة أي قصورها المبنية ، كما قال : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) . . وكما قال( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ) . . وإما أن تكون هي المنازل التي تتنقل فيها تلك الأجرام في أثناء دورانها ، وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء . والإشارة إليها يوحي بالضخامة . وهو الظل المراد إلقاؤه في هذا الجو .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة البروج

أهداف سورة البروج

( سورة البروج مكية ، وآياتها 22 آية ، نزلت بعد سورة الشمس ) .

هذه السورة القصيرة تعرض حقائق العقيدة ، وقواعد التصور الإيماني ، وتمجّد الثبات على الحق ، وتبشّر المؤمنين بنصر الدنيا ونعيم الآخرة ، وتهدد الجبارين المعتدين بنقمة الله ولعنته في الدنيا والآخرة .

أصحاب الأخدود

الأخدود : الشق في الأرض يحفر مستطيلا ، وجمعه أخاديد ، وأصحاب الأخدود قوم كافرون ذوو بأس وقوة ، رأوا قوما من المؤمنين فغاظهم إيمانهم ، فحملوهم على الكفر فأبوا ، فشقوا لهم شقّا في الأرض وحشوه بالنار ، وألقوهم فيه ، وكان هؤلاء الغلاظ الأكباد على جوانب الشق يشهدون الإحراق .

فقرات السورة

1- تبدأ الفقرة الأولى بالقسم ، وتربط بين السماء ويوم القيامة وبين حادث الأخدود ، ونقمة الله على أصحابه . ( الآيات 1-4 ) .

2- ثم تعرض الفقرة الثانية المشهد المفجع في لمحات خاطفة ، تودع المشاعر بشاعة الحادث ، بدون تفصيل ولا تطويل ، مع التلميح إلى عظمة العقيدة التي تعالت على فتنة الناس مع شدتها ، وانتصرت على النار وعلى الحياة ذاتها . ( الآيات 5-10 ) .

3- ثم يجيء التعقيب بعد ذلك بفوز المؤمنين ، وبشدة بطش الله بالمجرمين ، وبقدرته وهيمنته على الكون ، ثم إشارة سريعة إلى سوابق ممن أخذ من الطغاة كفرعون وثمود . ( الآيات 11-22 ) .

مع آيات السورة

1-3- يقسم الله سبحانه بالسماء ذات الكواكب ، والنجوم الكثيرة التي تنتشر في أرجائها ، ويقسم بيوم القيامة ، ويقسم بالشاهد والمشهود ، والشاهد هم الملائكة تشهد على الناس يوم القيامة ، والمشهود عليه هم الخلائق ، أو الأنبياء تشهد على أممهم يوم القيامة ، أو بجميع ما خلق الله في هذا الكون مما يشهده الناس ، ويرونه رأي العين .

وقصارى ذلك أنه سبحانه أقسم بالعوالم كلها ، ليلفت الناظرين إلى ما فيها من العظم والفخامة .

4- قتل أصحاب الأخدود . أي : أخذوا بذنوبهم ، ونزل بهم نكال الدنيا وعذاب الآخرة .

وقصة ذلك أنه قد وقع إلى نجران من أرض اليمن ، رجل ممن كانوا على دين عيسى ابن مريم ، فدعا أهلها إلى دينه ، وكانوا على اليهودية ، وأعلمهم أن الله بعث عيسى بشريعة ناسخة لشريعتهم ، فآمن به قوم منهم ، وبلغ ذلك ذا نواس ملكهم ، وكان يتمسك باليهودية ، فسار إليهم بجنود من حمير ، فلما أخذهم خيّرهم بين اليهودية والإحراق بالنار ، وحفر لهم حفيرة ثم أضرم فيها النار ، وصار يؤتى بالرجل منهم فيخيّره فمن جزع من النار ، وخاف العذاب ، ورجع عن دينه ، ورضى باليهودية تركه ، ومن استمسك بدينه ولم يبال بالعذاب الدنيوي لثقته بأن الله يجزيه أحسن الجزاء ، ألقاه في النار .

ثم بين من هم أصحاب الأخدود ، فقال :

5- النار ذات الوقود . أي أن أصحاب الأخدود هم أصحاب النار ، التي لها من الحطب الكثير ما يشتد به لهيبها ، فلا جرم يكون حريقها عظيما ، ولهيبها متطايرا .

6- إذ هم عليها قعود . أي : قتلوا ولعنوا حين أحرقوا المؤمنين بالنار ، وهم قاعدون حولها يشرفون عليهم ، وهم يعذّبون ويحرقون فيها .

7- وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . وهو تعبير يصوّر قسوة قلوبهم ، وتمكّن الكفر منهم ، فإن التعذيب كان يتم بأمرهم ، وكانوا يقعدون على مقربة من النار ، ويشاهدون أطوار التعذيب وفعل النار في الأجسام في لذة وسعار ، كأنما يثبتون في حسهم هذا المشهد البشع الشنيع .

8 ، 9- وما أنكر أصحاب الأخدود على هؤلاء الذين أحرقوهم بالنار إلا أنهم آمنوا بربهم ، الموصوف بالغلبة والقهر ، والمحمود على نعمه وأفضاله ، الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ، وهو رقيب على الجميع شاهد على أعمالهم وأحوالهم .

10- إن هناك جزاء عادلا في الآخرة ، وهؤلاء الذين عذبوا المؤمنين وحرقوهم في الدنيا ، ولم يندموا على ما فعلوا ، سيلقون عقابهم في جهنم ، وفي حريق شديد ، لقد أحرقوا المؤمنين بنار الدنيا ، وهي جزء يسير من نار الآخرة ، إذ نارها شديدة ومعها غضب الله على العصاة .

11- وهؤلاء المؤمنون الصادقون يلقون جزاءهم في جنات تجري من تحتها الأنهار ، مع رضوان الله ، وذلك هو الفوز الكبير .

وبهذا يتم الأمر ، وينال كل طرف جزاءه العادل ، فالظالمون الطغاة يلقون عذاب الحريق ، والمؤمنون الصادقون يلقون الجنة ورضوانا من الله أكبر ، ذلك هو الفوز الكبير .

12-16- إن انتقام الله من الظالمين لشديد ، فهو يمهلهم حتى إذا أخذهم لم يفلتهم ، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده يوم القيامة .

ثم ذكر سبحانه خمسة أوصاف من صفات الرحمة والجلال ، فقال :

1- وهو الغفور . لمن يرجع إليه بالتوبة .

2- الودود . كثير الود والعطاء والمحبة لمن أخلصوا له .

3- ذو العرش . ذو السلطان الكبير والقدرة الكاملة .

4- المجيد . العظيم الكرم والفضل .

5- فعّال لما يريد . سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويختار .

وهو صاحب الإرادة الطليقة والقدرة المطلقة وراء الأحداث ، ووراء الحياة ووراء كل شيء في الوجود .

17 ، 18- هل أتاك حديث الجنود . الجنود : تطلق تارة على العسكر ، وتطلق تارة أخرى على الأعوان ، والمراد بهم هنا الجماعات الذين تجندوا على أنبياء الله واجتمعوا على أذاهم ، هل أتاك حديثهم ؟ وكيف فعل ربك بهم ما يريد ؟

فرعون وثمود . لقد أهلك الله فرعون وجنده ، ونجّى موسى ومن آمن معه ، وقصة ثمود مع صالح معروفة ، فقد عقرت الناقة التي جعلها الله لهم آية ، وقد أهلكهم الله عن بكرة أبيهم ، ونجّى صالحا ومن معه من المؤمنين .

وخلاصة ذلك : أن الكفار في كل عصر متشابهون ، وأن حالهم مع أنبيائهم لا تتغير ولا تتبدل ، فهم في عنادهم سواء ، ولكن العاقبة دائما للمتقين ، وبطش الله شديد بالطغاة الظالمين .

19-22- وفي الختام تقرر السورة أن الكفار في كل عصر يكذبون الرسالات ، وهم غافلون عما يحيط بهم من قهر الله وقدرته ، وهو سبحانه محيط بهم وعالم بجميع أحوالهم ، وسوف يؤاخذهم على عملهم ، وهذا الذي كذّب به قومك كتاب شريف ، متفرد في النظم والمعنى ، محفوظ من التحريف ، مصون من التغيير والتبديل .

مقاصد السورة

1- إظهار عظمة الله وجليل صفاته .

2- قصة أصحاب الأخدود .

3- عاقبة المتقين الجنة والرضوان ، ونهاية المعتدين الهلاك والحريق .

4- يبيد الله الأمم الطاغية في كل حين ، ولاسيما الذين يفتنون المؤمنين والمؤمنات .

5- القرآن مجيد شريف ، وكفى شرفا أنه كلام الله .

القسم بأشياء عظام على لعنة أصحاب الأخدود .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والسماء ذات البروج 1 واليوم الموعود 2 وشاهد ومشهود 3 قتل أصحاب الأخدود 4 النار ذات الوقود 5 إذ هم عليها قعود 6 وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود 7 وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد 8 الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد 9 إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق 10 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير 11 }

المفردات :

والسماء : أقسم الله بها وبما بعدها .

ذات البروج : ذات المنازل المعروفة للكواكب .

التفسير :

1- والسماء ذات البروج .

أي : أقسم بالسماء البديعة ذات البروج .

والبروج جمع برج ، وهو القصر العظيم ، أو الحصن .

قال تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة . . . ( النساء : 78 ) .

وتطلق البروج على النجوم والشمس والقمر ، فهي مخلوقات ضخمة ، وكأنها بروج السماء الضخمة ، أي قصورها المبنية ، كما قال سبحانه : والسماء بنيناها بأيد وإنّا لموسعون . ( الذاريات : 47 ) .

وإما أن تكون البروج هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الأجرام في أثناء دورانها ، وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء .

قال القرطبي :

قوله : والسماء ذات البروج .

قسم أقسم الله عز وجل به ، وفي البروج أربعة أقوال :

أحدها : ذات النجوم ، الثاني : ذات القصور ، الثالث : ذات الخلق الحسن ، الرابع : ذات المنازل الخاصة بالكواكب السيارة ومداراتها الفلكية الهائلة ، وهي اثنا عشر منزلا :

الحمل ، الثور ، الجوزاء ، السرطان ، الأسد ، السنبلة ، الميزان ، العقرب ، القوس ، الجدي ، الدلو ، الحوت . اه .

وخلاصة المعنى :

أقسم بالسماء البديعة ذات المنازل الرفيعة التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها .

قال المفسرون : سميت هذه المنازل بروجا لظهورها ، وشبّهت بالقصور لعلوّها وارتفاعها ، لأنها منازل الكواكب السيارة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية باتفاق . وهي ثنتان وعشرون آية .

قسم أقسم الله به جل وعز وفي " البروج " أقوال أربعة : أحدها : ذات النجوم . قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك . الثاني : القصور . قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد أيضا . قال عكرمة : هي قصور في السماء . مجاهد : البروج فيها الحرس . الثالث : ذات الخلق الحسن . قاله المنهال بن عمرو . الرابع : ذات المنازل . قاله أبو عبيدة ويحيى بن سلام . وهي اثنا عشر برجا ، وهي منازل الكواكب والشمس والقمر . يسير القمر في كل برج منها يومين وثلت يوم ، فذلك ثمانية وعشرون يوما ، ثم يستسر{[15885]} ليلتين ، وتسير الشمس في كل برج منها شهرا . وهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس والجدي ، والدلو ، والحوت . والبروج في كلام العرب : القصور . قال الله تعالى ؛ " ولو كنتم في بروج مشيدة " [ النساء : 78 ] . وقد تقدم{[15886]} .


[15885]:سرر الشهر (بفتحتين): آخر ليلة منه . وهو مشتق من قولهم: استسر القمر. أي خفي ليلة السرار. فربما كان ليلة وربما كان ليلتين.
[15886]:راجع جـ 5 ص 82.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة البروج{[1]}

مقصودها الدلالة على القدرة على مقصود الانشقاق الذي هو صريح آخرها من تنعيم الولي وتعذيب الشقي{[2]} في الدنيا ممن لا يمكن في العادة أن يكون عذابه ذلك إلا من الله وحده تسلية لقلوب المؤمنين وتثبيتا{[3]} لهم على أذى الكافرين{[4]} ، وعلى ذلك دل اسمها البروج بتأمل القسم والمقسم عليه وما هدى ذلك السياق إليه{[5]} { بسم الله } الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما { الرحمن } الذي عم الخلائق عدلا وحلما { الرحيم* } الذي خص أولياءه بإتمام النعمة عليهم عينا كما أظهره رسما .

لما ختم تلك بثواب المؤمن وعقاب الكافر والاستهزاء به بعد أن ذكر أنه سبحانه أعلم بما يضمر الأعداء من المكر وما يرومون من الأنكاد للأولياء وتوعدهم بما لا يطيقون ، وكانوا قد عذبوا المؤمنين بأنواع العذاب واجتهدوا في فتنة من قدروا عليه منهم ، وبالغوا في التضييق عليهم حتى ألجؤوهم إلى شعب أبي طالب وغيره من البروج في البلاد ، ومفارقة الأهل والأولاد ، ابتدأ هذه بما أوقع{[72453]} بأهل الجبروت ممن تقدمهم على وجه معلم أن ذلك الإيقاع منه سبحانه قطعاً ، ومعلم أن الماضين تجاوزوا ما فعل هؤلاء إلى القذف في النار ، وأن أهل الإيمان ثبتوا ، وذلك لتسلية المؤمنين وتثبيتهم ، وتوعيد الكافرين وتوهيتهم وتفتيتهم ، فقال مقسماً لأجل إنكارهم وفعلهم{[72454]} في التمادي في عداوة حزب الله فعل المنكر أن الله ينتقم لهم{[72455]} بما يدل على تمام القدرة على القيامة : { والسماء } أي العالية غاية العلو المحكمة غاية الإحكام{[72456]} { ذات البروج * } أي المنازل{[72457]} للكواكب السيارة التي ركبها الله تعالى على أوضاع{[72458]} جعل في بعضها{[72459]} قوة التسبب للإبداء والإعادة بالإنبات{[72460]} وفي بعضها قوة التربية كذلك ، وفي الأخرى قوة الاستحصاد بأسباب خفية أقامها سبحانه لا ترونها ، غير أنكم لكثرة إلفكم لذلك صرتم تدركون منه بالتجارب أموراً تدلكم على تمام القدرة ، فنسبها بعضكم إلى الطبيعة لقصور النظر في أسباب الأسباب وكلال الفكر عن النفوذ إلى نهاية ما تصل إليه الألباب ، فاستبدل بالشكر الكفر ، واستدل بالآيات على ضد ما تدل{[72461]} عليه لجمود الذهن وانعكاس الفكر ، والمراد بها المنازل الاثنا عشر{[72462]} : الحمل - والثور - والجوزاء - والسرطان - والأسد - والسنبلة - والميزان - والعقرب - والقوس - والجدي - والدلو - والحوت - وهي التي تقطعها الشمس في السنة-{[72463]} ، أو هي الثمانية والعشرون التي يقطعها القمر في الشهر ، وهي{[72464]} منازل الشمس هذه الاثنا عشر{[72465]} بسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثاً ، فذلك ثمانية وعشرون يوماً-{[72466]} ويستسر{[72467]} ليلتين ، فذلك شهر ، وهو إشارة إلى أن الذي فصل السماء هذا التفصيل وسخر فيها هذه الكواكب لمصالح الإنسان لا يتركه سدىً ، بل لا بد من دينونته على ما يفعله من خير وشر شبهت بالقصور لأنها تنزلها السيارة وتكون فيها الثوابت وعظام الكواكب ، سميت بروجاً لظهورها ، أو أبواب السماء فإن النوازل تخرج منها ، وأصل التركيب للظهور .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[72453]:في ظ: أوقعه.
[72454]:زيد في الأصل: وغفلتهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72455]:من ظ و م، وفي الأصل: يتنعم.
[72456]:زيد في الأصل: وهي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72457]:زيد في الأصل: للبروج، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72458]:من ظ و م، وفي الأصل: الأوضاع.
[72459]:العبارة من هنا إلى "التربية" ساقطة من ظ.
[72460]:من م، وفي الأصل: وهي للانبات.
[72461]:من ظ و م، وفي الأصل: دلت.
[72462]:من ظ، وفي الأصل و م: اثني عشر.
[72463]:زيد من ظ و م.
[72464]:زيد في الأصل: التي هي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72465]:من ظ و م، وفي الأصل: اثني عشر.
[72466]:زيد من م.
[72467]:من م، وفي الأصل و ظ: يستتر.