في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

ونوه الله بتقواهم ، وغضهم أصواتهم عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في تعبير عجيب :

( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . لهم مغفرة وأجر عظيم ) . .

فالتقوى هبة عظيمة ، يختار الله لها القلوب ، بعد امتحان واختبار ، وبعد تخليص وتمحيص ، فلا يضعها في قلب إلا وقد تهيأ لها ، وقد ثبت أنه يستحقها . والذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد اختبر الله قلوبهم وهيأها لتلقي تلك الهبة . هبة التقوى . وقد كتب لهم معها وبها المغفرة والأجر العظيم .

إنه الترغيب العميق ، بعد التحذير المخيف . بها يربي الله قلوب عباده المختارين ، ويعدها للأمر العظيم . الذي نهض به الصدر الأول على هدى من هذه التربية ونور .

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قد ارتفعت أصواتهما ، فجاء فقال : أتدريان أين أنتما ? ثم قال : من أين أنتما ? قالا : من أهل الطائف . فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا !

وعرف علماء هذه الأمة وقالوا : إنه يكره رفع الصوت عند قبره [ صلى الله عليه وسلم ] كما كان يكره في حياته[ صلى الله عليه وسلم ] احتراما له في كل حال .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

1

المفردات :

يغضون أصواتهم : يخفضونها ، و يلينونها .

امتحن الله قلوبهم : طهرها ونقاها ، وكما يمتحن الصائغ الذهب بالإذابة والتنقية من كل غش .

التفسير :

3- { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } .

إن الذين يخفضون أصواتهم عند محادثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو محادثة أحد بجواره ، هؤلاء قوم نقى الله قلوبهم ، وأخلص سريرتهم بالتقوى ، وهي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والاستعداد ليوم الرحيل .

هؤلاء الذين تأدبوا بأدب الإسلام ، واستجابوا لدعوة القرآن ، فراعوا الإجلال والتوقير ، والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخفضوا أصواتهم عند مجلسه ، أو أثناء محادثته هؤلاء ، { لهم مغفرة وأجر عظيم } .

لهم مغفرة لذنوبهم ، وستر لعيوبهم ، ومحو لخطيئاتهم ، وتثبيت لحسناتهم ، وثواب عظيم على خفضهم لأصواتهم عند نبيهم .

ملاحظة

الامتحان هو الاختبار ، وأصله من اختبار الذهب وإذابته ، ليخلص جيده من خبيثه ، والمراد أن الله أخلص هذه القلوب لمراقبته سبحانه .

قال الزمخشري في تفسير الكشاف :

{ امتحن الله قلوبهم للتقوى . . . } من قولك : امتحن فلان لأمر كذا وجرب له ، ودرب للنهوض به ، فهو مضطلع به ، غير وان عنه ، والمعنى : أنهم صبروا على التقوى ، أقوياء على احتمال مشاقها . اه .

وقد التزم المسلمون بهذا الأدب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، فقد سمع عمر بن الخطاب رجلا يرفع صوته في المسجد النبوي ، فقال له : من أين أنت أيها الرجل ؟ فقال : من الطائف ، فقال له عمر : لو كنت من أهل المدينة لأوجعتك ضربا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى ، أي : ابتلاها واختبرها ، فظهرت نتيجة ذلك ، بأن صلحت قلوبهم للتقوى ، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم ، المتضمنة لزوال الشر والمكروه ، والأجر العظيم ، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى ، وفي الأجر العظيم وجود المحبوب{[795]}  وفي هذا ، دليل على أن الله يمتحن القلوب ، بالأمر والنهي والمحن ، فمن لازم أمر الله ، واتبع رضاه ، وسارع إلى ذلك ، وقدمه على هواه ، تمحض وتمحص للتقوى ، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك ، علم أنه لا يصلح للتقوى .


[795]:- في ب: وفيه حصول كل محبوب.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس وكان جهوري الصوت وربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته فأمروا بغض الصوت عند مخاطبته { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } لاتنزلوه منزلة بعضكم من بعض فتقولوا يا محمد ولكن خاطبوه بالنبوة والسكينة والإعظام { أن تحبط أعمالكم } كي لا تبطل حسناتكم { وأنتم لا تشعرون } أن خطابه بالجهر ورفع الصوت فوق صوته يحبط العمل فلما نزلت هذه الآية خفض أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صوتهما فما كلما النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار فأنزل الله تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أي اختبرها وأخلصها للتقوى

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

قوله تعالى : " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله " أي يخفضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالا له ، أو كلموا غيره بين يديه إجلالا له . قال أبو هريرة : لما نزلت " لا ترفعوا أصواتكم " قال أبو بكر رضي الله عنه : والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السِّرَارِ{[14061]} . وذكر سنيد قال : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال : لما نزلت : " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " [ الحجرات : 1 ] قال أبو بكر : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السِّرَارِ . وقال عبد الله بن الزبير : لما نزلت : " لا ترفعوا أصواتكم " ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض ، فنزلت : " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " . قال الفراء : أي أخلصها للتقوى . وقال الأخفش : أي اختصها للتقوى . وقال ابن عباس : " امتحن الله قلوبهم للتقوى " طهرهم من كل قبيح ، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى . وقال عمر رضي الله عنه : أذهب عن قلوبهم الشهوات . والامتحان افتعال من محنت الأديم محنا حتى أوسعته . فمعنى أمتحن الله قلوبهم للتقوى وسعها وشرحها للتقوى . وعلى الأقوال المتقدمه : امتحن قلوبهم فأخلصها ، كقولك : امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت . ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام ، وهو الإخلاص . وقال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته . وأنشد :

أتتْ رذايا باديًا كَلاَلها *** قد محنت واضطربت آطالُها{[14062]}

" لهم مغفرة وأجر عظيم " .


[14061]:السرار (بالكسر): المسارّة، أي كصاح السرار، أو كمثل المساررة لخفض صوته، والكاف صفة لمصدر محذوف.
[14062]:الرذايا: جمع رذية، وهي الناقة المهزولة من السير. والكلال: الإعياء. والآطال: جمع إطل، وهو الخاصرة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

ولما تقدم سبحانه في الإخلال بشيء من حرمته صلى الله عليه وسلم ونهى عن رفع الصوت والجهر الموصوف ، أنتج المخافة عنده على سبيل الإجلال ، فبين ما لمن حافظ على ذلك الأدب العظيم ، فقال مؤكداً لأن-{[60697]} في المنافقين وغيرهم من{[60698]} يكذب بذلك ، وتنبيهاً . على أنه لمحبة الله له ورضاه به أهل لأن يؤكد أمره ويواظب على فعله : { إن الذين يغضون } أي يخفضون ويلينون لما وقع عليهم من السكينة من هيبة حضرته ، قال الطبري{[60699]} : وأصل الغض الكف في{[60700]} لين { أصواتهم } تخشعاً وتخضعاً ورعاية للأدب وتوقيراً .

ولما كان المبلغ ربما أنساه اللغط{[60701]} ورفع الأصوات ما كان-{[60702]} يريد أن يبلغه " {[60703]}إنه بينت لي{[60704]} ليلة القدر فخرجت لأخبركم بها فتلاحى رجلان فأنسيتها وعسى أن يكون خيراً لكم " قال : { عند رسول الله } أي الذي من شأنه أن يعلو كلامه على كل كلام ، لأنه {[60705]}مبلغ من{[60706]} الملك الأعظم وعبر بعند التي للظاهر إشارة إلى أن أهل حضرة الخصوصية لا يقع منهم إلا أكمل الأدب .

ولما ابتدأ ذكرهم مؤكداً تنبيهاً على عظيم ما ندبوا إليه ، زاده إعظاماً بالإشارة إليهم بأداة البعد فقال : { أولئك } أي العالو الرتب{[60707]} لما لهم من علو الهمم بالخضوع لمن أرسله مولاهم{[60708]} الذي لا إحسان عندهم{[60709]} إلا منه { الذين امتحن الله } أي فعل المحيط بجميع صفات الكمال فعل المختبر بالمخالطة البليغة بالشدائد{[60710]} على وجه يؤدي إلى المنحة{[60711]} باللين والخلوص من كل درن ، والانشراح والاتساع { قلوبهم } فأخلصها { للتقوى } أي الخوف المؤدي إلى استعداد صاحبه بإقامة ما يقيه من كل مكروه ، والامتحان : اختبار بليغ يؤدي إلى خبر ، فالمعنى أنه طهر قلوبهم ونقاها كما{[60712]} يمتحن الصائغ الذهب والفضة بالإذابة للتنقية والتخليص من كل غش {[60713]}لأجل إظهار{[60714]} ما بطن فيها من التقوى{[60715]} ليصير معلوماً للخلق في عالم الشهادة كما كان معلوماً له سبحانه-{[60716]} في عالم الغيب ، وهو خروجهم عن العادات البشرية ومفارقتهم لما توجبه الطبيعة ، وهو حقيقة التوحيد ، فإن التقوى لا تظهر إلا عند المحن والشدائد بالتكاليف وغيرها ، ولا تثبت إلا بملازمة الطاعة في المنشط والمكره والخروج عن مثل ذلك .

ولما كان الإنسان وإن اجتهد في الإحسان محلاًّ للنقصان ، استأنف الإخبار عن جزائهم بقوله : معرباً له من فاء السبب ، إشارة إلى-{[60717]} أن ذلك بمحض إحسانه : { لهم مغفرة } أي لهفواتهم وزلاتهم { وأجر عظيم * } أي جزاء لا يمكن وصفه على محاسن ما فعلوه .


[60697]:زيد من مد.
[60698]:من مد، وفي الأصل: ممن.
[60699]:راجع تفسيره26/69.
[60700]:من مد والتفسير، وفي الأصل: من.
[60701]:من مد، وفي الأصل: اللفظ.
[60702]:زيد من مد.
[60703]:من مد، وفي الأصل: أن يثبت إلى.
[60704]:من مد، وفي الأصل: أن يثبت إلى.
[60705]:من مد، وفي الأصل: شأنه-كذا.
[60706]:من مد، وفي الأصل: شأنه –كذا.
[60707]:من مد، وفي الأصل: الرتبة.
[60708]:من مد، وفي الأصل: مولاه.
[60709]:من مد، وفي الأصل: عندكم.
[60710]:من مد، وفي الأصل: بالسداد.
[60711]:من مد، وفي الأصل: المنحة.
[60712]:من مد، وفي الأصل: لما.
[60713]:من مد، وفي الأصل: لإظهار.
[60714]:من مد، وفي الأصل: لإظهار.
[60715]:من مد، وفي الأصل: منها للتقوى.
[60716]:من مد، وفي الأصل: منها للتقوى.
[60717]:زيد من مد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

قوله : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } { يغضون } من الغض : وهو الخفض{[4281]} . وذلك إطراء من الله للمؤمنين الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له وتكريما ، واستحياء منه وتعظيما ، سواء كان خطابهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أو كانوا يخاطبون غيره بين يديه .

قوله : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أي أخلص قلوبهم للتقوى وجعل فيها الخوف من الله { لهم مغفرة وأجر عظيم } يعفو الله لهم عن ذنوبهم ويجزيهم خير الجزاء وهو الجنة{[4282]} .


[4281]:مختار الصحاح ص 476.
[4282]:تفسير القرطبي جـ 16 ص 300- 308 وتفسر ابن كثير جـ 4 ص 205- 207 وأحكام القرأن لابن العربي جـ 4 ص 1700 – 1703.