في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا ؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب ?

( فكيف تتقون - إن كفرتم - يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ? ) . .

وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء ، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال . وإنها لتشيب الولدان . وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة ، وفي الإنسانية الحية . . في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة . . ثم يؤكدها تأكيدا . ( كان وعده مفعولا ) . . واقعا لا خلف فيه . وهو ما شاء فعل وما أراد كان !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

17-فكيف تتّقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا .

لقد حذّرهم القرآن وأنذرهم ، ووضع أمام أبصارهم مشاهد القيامة التي يشيب منها الوليد ، من طول ذلك اليوم وشدة هوله ، فالآلام والأحزان تشيّب الإنسان قبل أوان شيبه .

قال أبو الطيب المتنبي :

والهمّ يخترم الجسيم نحافة *** ويشيب ناصية الصبي ويهرم

وفي وصايا قدماه المصريين ، يقول أبي لابنه : ( يا بني ، تخيّر امرأة بسيطة ، صغيرة في آمالها وتطلعاتها ، فالمرأة التي لا تقنع تشيّبك قبل المشيب ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

{ فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا } أي فكيف تتحصنون من عذاب يوم يشيب الطفل لهوله وشدته إن كفرتم اليوم في الدنيا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

قوله تعالى : " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا " هو توبيخ وتقريع ، أي كيف تتقون العذاب إن كفرتم . وفيه تقديم وتأخير ، أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم . وكذا قراءة عبد الله وعطية .

قال الحسن : أي بأي صلاة تتقون العذاب ؟ بأي صوم تتقون العذاب ؟ وفيه إضمار ، أي كيف تتقون عذاب يوم . وقال قتادة : والله ما يتقى من كفر بالله ذلك اليوم بشيء . و " يوما " مفعول ب " تتقون " على هذه القراءة وليس بظرف ، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول " كفرتم " . وقال بعض المفسرين : وقف التمام على قوله : ( كفرتم ) والابتداء ( يوما ) يذهب إلى أن اليوم مفعول " يجعل " والفعل لله عز وجل ، وكأنه قال : يجعل الله الولدان شيبا في يوم . قال ابن الأنباري : وهذا لا يصلح ؛ لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله . المهدوي : والضمير في " يجعل " يجوز أن يكون لله عز وجل ، ويجوز أن يكون لليوم ، وإذا كان لليوم صلح أن يكون صفة له ، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله عز وجل إلا مع تقدير حذف ، كأنه قال : يوما يجعل الله الولدان فيه شيبا . ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم " بكفرتم " وهذا قبيح ؛ لأن اليوم إذا علق ب " كفرتم " احتاج إلى صفة ؛ أي كفرتم بيوم . فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها ، احتججنا عليه بقراءة عبد الله " فكيف تتقون يوما " .

قلت : هذه القراءة ليست متواترة ، وإنما جاءت على وجه التفسير . وإذا كان الكفر بمعنى الجحود ف " يوما " مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها ؛ أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء . وقرأ أبو السمال قعنب " فكيف تتقون " بكسر النون على الإضافة . و " الولدان " الصبيان . وقال السدي : هم أولاد الزنا . وقيل : أولاد المشركين . والعموم أصح ، أي يشيب فيه الضمير من غير كبر . وذلك حين يقال : ( يا آدم قم فابعث بعث النار ) . على ما تقدم في أول سورة " الحج " {[15528]} . قال القشيري : ثم إن أهل الجنة يغير الله أحوالهم وأوصافهم على ما يريد .

وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز ؛ لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة . ويقال : هذا وقت الفزع ، وقيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق ، فالله أعلم . الزمخشري : وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب ، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة{[15529]} ، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام ، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار ، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون . ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب .


[15528]:راجع جـ 11 ص3.
[15529]:في نسخ الأصل: "كالنعامة" بالنون والعين. والثغامة (بالتاء المفتوحة والعين): شجرة تبيض كأنها الثلج.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

ولما علم بهذا أنه سبحانه شديد الأخذ ، وأنه لا يغني ذا الجد منه الجد ، سبب عن ذلك قوله محذراً لهم الاقتداء بفرعون : { فكيف تتقون } أي توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم ، ولما-{[69559]} كان التنفير{[69560]} من سبب التهديد أهم لأنه أدل على رحمة المحذر وأبعث على اجتنابه ، قال مشيراً بأداة الشك إلى أن كفرهم بالله مع ما نصب لهم من الأدلة العقلية المؤيدة بالنقلية ينبغي أن لا يوجد بوجه ، وإنما يذكر على سبيل الفرض والتقدير : { إن كفرتم } أي أوقعتم الستر لما غرس في فطركم من أنوار الدلائل القائدة إلى الإيمان فبقيتم على كفركم - على أن العبارة مشيرة إلى أنه عفا عنهم الكفر الماضي فلا يعده{[69561]} عليهم رحمة منه وكرماً ولا يعد عليهم إلا ما أوقعوه بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم { يوماً } أي-{[69562]} هو مثل في الشدة بحيث إنه-{[69563]} يقال فيه { يجعل } لشدة أهواله وزلزاله وأوجاله { الولدان } أي عند الولادة أو بالقرب منها { شيباً } جمع أشيب وهو من ابيض شعره ، وذلك كناية أن عن كثرة الهموم فيه لأن العادة جارية بأنها إذا تفاقمت أسرعت بالشيب ، والمعنى إنكار أن يقدروا على أن يجعلوا لهم وقاية بغاية جهدهم تقيهم عذاب ذلك اليوم الموصوف بهذا الهول الأعظم ، وذلك حين يقول الله : " يا آدم قم فابعث{[69564]} بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " وأسند الجعل إلى اليوم لكونه واقعاً فيه كما جعله المتقي ، وإنما المتقي العذاب الواقع فيه .


[69559]:زيد من ظ و م.
[69560]:من م، وفي الأصل و ظ: التنكير
[69561]:من ظ و م، وفي الأصل: على.
[69562]:زيد من ظ و م.
[69563]:زيد من ظ و م.
[69564]:من ظ و م، وفي الأصل: وابعث.