إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ} (7)

وقولُه تعالَى : { أَن رآهُ استغنى } مفعولٌ لَهُ ، أي يطغى لأنْ رَأى نفسَهُ مستغنياً ، عَلى أنَّ استغنى مفعولٌ ثانٍ لرأى لأنه بمَعْنى علمَ ، ولذلكَ ساغَ كونُ فاعلِه ومفعولِه ضميريْ واحدٍ كَمَا في علمتني ، وإن جَوَّزَهُ بعضُهم فِي الرؤيةِ البصريةِ أيضاً ، وجعلَ منْ ذلك قول عائشةَ رضيَ الله عَنْها : «لقد رأيتُنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وما لَنا طعامٌ إلاَّ الأسودانِ »{[856]} وتعليلُ طُغيانِه برؤيتهِ لا بنفسِ الاستغناءِ كمَا ينبئُ عَنْه قولُه تعالَى : { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرض } [ سورة الشورى ، الآية 27 ] للإيذانِ بأنَّ مَدَارَ طُغيانهِ عملهُ الفاسدُ . رُوي أنَّ أبا جهلٍ قال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم : أتزعمُ أنَّ منِ استغنى طغَى فاجعلُ لنَا جبالَ مكةَ فضةً وذهباً لعلنَا نأخذُ منْهَا فنطغَى فندعَ ديننَا ونتبعَ دينكَ ، فنزلَ عليهِ جبريلُ عليهِ السَّلامُ فقالَ : إن شئْتَ فعلنَا ذلكَ ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُؤمنوا فعلنَا بهمْ مَا فعلنَا بأصحابِ المائدةِ ، فكفَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الدُّعاءِ إبقاءً عليهمْ .


[856]:أخرجه أحمد في المسند (6/71، 86) بمعناه وليس بألفاظه والأسودان هما التمر والماء.