الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ} (7)

قوله : { أَن رَّآهُ } : " أنْ " مفعولٌ له ، أي : لرؤيتِه نفسَه مُسْتَغْنياً . وتعدَّى الفعلُ هنا إلى ضميرَيْه المتصلَيْن ؛ لأنَّ هذا مِنْ خواصِّ هذا البابِ . قال الزمخشري : " ومعنى الرؤيةِ العِلْمُ ، لو كانَتْ بمعنى الإِبصارِ لامتنعَ في فِعْلِها الجمعُ بين الضميرَيْن ، و " استغنى " هو المفعول الثاني " . قلت : والمسألةُ فيها خلافٌ : ذهب جماعةٌ إلى أنَّ " رأى " البَصَرية تُعْطي حُكْمَ العِلْمَّية ، وجَعَل مِنْ ذلك قولَ عائشةَ - رضي اللَّهُ عنها - " لقد رَأَيْتُنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعامٌ إلاَّ الأسْوَدان " وأنشد :

ولقد أَراني للرِّماح دَرِيْئَةً *** مِنْ عَنْ يمين تارةً وأمامي

وتقدَّم تحقيقُه . وقرأ قنبل بخلافٍ عنه " رَأَه " دونَ ألفٍ بعد الهمزة وهو مقصورٌ مِنْ " رآه " في قراءةِ العامَّةِ ، ولا شكَّ أنَّ الحَذْفَ في مثلِه جاء قليلاً كقولِهم : " أصابَ الناسَ جَهْدٌ ، ولو تَرَ أهلَ مكةَ " بحَذْفِ لامِ " ترى " ، وقولِ الآخرِ :

وَصَّانِيَ العَجَّاجُ فيما وَصَّني ***

يريد : وصَّاني ، ولَمَّا روَى ابن مجاهد هذه القراءةَ عن قنبل وقال : " قرأتُ بها عليه " نَسَبه فيها إلى الغلظ . ولا يَنْبغي ذلك ؛ لأنه إذا ثبتَتْ قراءةً ولها وجهٌ وإنْ كان غيرُه أشهرَ منه فلا يَنْبغي أَنْ يُقْدِمَ على تَغْليِطِه .