محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ} (7)

وقوله تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى } أي حقا إن الإنسان ليتجاوز حده ويستكبر على ربه أن رأى نفسه استغنت ف { كلا } بمعنى ( حقا ) لعدم ما يتوجه إليه الردع ظاهرا لتأخر نزول هذا عما قبله على ما تقدم في المأثور ، أو هو ردع لمن كفر بنعمة الله بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ، فإن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان ، فإذا قيل : { كلا } يكون ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران والطغيان أي ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان ينعم عليه ربه بتسوية خلقه وتعليمه ما لم يكن يعلم ، وإنعامه بما لا كفء بربه الذي فعل به ذلك ويطغى عليه أن رآه استغنى .

قال الكرخي : ومذهب أبي حيان أن { كلا } بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية وصوبه ابن هشام بكسر همزة ( أن ) بعدها كما بعد حرف التنبيه ، وفي ( الكوشي ) يجوز في ( كلا ) أن تكون تنبيها فيقف على ما قبلها ، وردعا فيقف عليها .

تنبيه : دلت الآية على قاعدة عظيمة في باب التمول المحمود ، قررها الحكماء المصلحون وهو أن لا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير ، قالوا : لأن إفراط الثروة مهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان كما نطقت به الآية الكريمة .

قال بعض الحكماء : التحول لأجل الحاجات وبقدرها محمود بثلاثة شروط وإلا كان حرص التمول من أقبح الخصال :

الشرط الأول أن يكون إحراز المال بوجه مشروع حلال ، أي إحرازه من بذل الطبيعة أو بالمعارضة أو في مقابل عمل .

والشرط الثاني أن لا يكون في التمول تضييق على حاجات الغير ، كاحتكار الضروريات ، أو مزاحمة الصناع والعمال الضعفاء ، أو التغلب على المباحات مثل امتلاك الأراضي التي جعلها خالقها ممرحا لكافة مخلوقاته ، وهي أمهم ترضعهم لبن جهازاتها ، وتغذيهم بثمراتها ، وتؤويهم في حضن أجزائها .

الشرط الثالث لجواز التمول هو أن لا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير وإلا فسدت الأخلاق ، ولذلك حرمت الشرائع السماوية كلها والحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية أكل الربا ، وذلك لقصد حفظ التساوي والتقارب يين الناس في القوة المالية ؛ لأن الربا كسب بدون مقابل مادي ، ففيه معنى الغصب ، وبدون عمل ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق ، وبدون تعرض لخسائر طبيعة كالتجارة والزراعة والأملاك ، دع أن الربا تربو الثروات فيختل التساوي بين الناس كما تقدم بيانه في أواخر سورة البقرة .