في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

73

وعلى أية حال فإن كثرة الخوارق لا تنشى ء الإيمان في القلوب الجاحدة . وها هو ذا موسى قد أوتي تسع آيات بينات ثم كذب بها فرعون وملؤه ، فحل بهم الهلاك جميعا .

( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ، فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ، فقال له فرعون : إني لأظنك يا موسى مسحورا . قال : لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ، وإني لأظنك يا فرعون مثبورا . فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا . وقلنا من بعده لبني إسرائيل : اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) . .

وهذا المثل من قصة موسى وبني إسرائيل يذكر لتناسقه مع سياق السورة وذكر المسجد الأقصى في أولها وطرف من قصة بني إسرائيل وموسى . وكذلك يعقب عليه بذكر الآخرة والمجيء بفرعون وقومه لمناسبة مشهد القيامة القريب في سياق السورة ومصير المكذبين بالبعث الذي صوره هذا المشهد .

والآيات التسع المشار إليها هنا هي اليد البيضاء والعصا وما أخذ الله به فرعون وقومه من السنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . . ( فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ) فهم شهداء على ما كان بين موسى وفرعون :

( فقال له فرعون : إني لأظنك يا موسى مسحورا ) . . فكلمة الحق وتوحيد الله والدعوة إلى ترك الظلم والطغيان والإيذاء لا تصدر في عرف الطاغية إلا من مسحور لا يدري ما يقول ! فما يستطيع الطغاة من أمثال فرعون أن يتصوروا هذه المعاني ؛ ولا أن يرفع أحد رأسه ليتحدث عنها وهو يملك قواه العقلية !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّي لأظُنّكَ يَمُوسَىَ مَسْحُوراً } .

يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيات بيّنات تُبين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوّته .

وقد اختلف أهل التأويل فيهنّ وما هنّ . فقال بعضهم في ذلك ما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : التسع الاَيات البينات : يده ، وعصاه ، ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم آيات مفصلات .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ إلقاء العصا مرّتين عند فرعون ، ونزع يده ، والعقدة التي كانت بلسانه ، وخمس آيات في الأعراف : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .

وقال آخرون : نحوا من هذا القول ، غير أنهم جعلوا آيتين منهنّ : إحداهما الطمسة ، والأخرى الحجر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن برياة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : سألني عمر بن عبد العزيز ، عن قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ فقلت له : هي الطوفان والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، وعصاه ، والطمسة ، والحجر ، فقال : وما الطمسة ؟ فقلت : دعا موسى وأمّن هارون ، فقال : قد أجيبت دعوتكما ، وقال عمر : كيف يكون الفقه إلا هكذا . فدعا عمر بن عبد العزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بمصر ، فإذا فيها الجوزة والبيضة والعدسة ما تنكر ، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بمصر .

وقال آخرون : نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتين منهنّ : إحداهما السنين ، والأخرى النقص من الثمرات . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ومطر الورّاق ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ قالا : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص من الثمرات .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، في قوله : تِسْع آياتٍ بَيّناتٍ قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، ونقص من الثمرات ، وعصاه ، ويده .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سُئل عطاء بن أبي رباح عن قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتً ما هي ؟ قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وعصى موسى ، ويده .

قال : ابن جريج : وقال مجاهد مثل قول عطاء ، وزاد : أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : هما التاسعتان ، ويقولون : التاسعتان : السنين ، وذهاب عجمة لسان موسى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ وهي متتابعات ، وهي في سورة الأعراف وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنِقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : السنين في أهل البوادي ، ونقص من الثمرات لأهل القُرى ، فهاتان آيتان ، والطوافان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، هذه خمس ، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين من غير سوء : البرص ، وعصاه إذ ألقاها ، فإذا هي ثعبان مبين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : يد موسى ، وعصاه ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم والسنين ، ونقص من الثمرات .

وقال آخرون نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا السنين ، والنقص من الثمرات آية واحدة ، وجعلوا التاسعة : تلقف العصا ما يأفكون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ ، وَلَقَدْ أخْذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : هذه آية واحدة ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ويد موسى ، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين ، وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون . وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدّث عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهوديّ لصاحبه : اذهب بنا إلى النبيّ حتى نسأله عن هذه الاَية . ولَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : لا تقل له نبيّ ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين ، قال : فسألا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا تُشْركُوا بالله شَيْئا ، وَلا تَسْرقُوا ، وَلا تَزْنُوا ، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا تَسْحَرُوا ، وَلا تَأْكُلُوا الرّبا ، وَلا تَمْشُوا بَبريءٍ إلى ذي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً ، أو قال : لا تَفرّوا مِنَ الزّحْف » شعبة الشاكّ «وأنْتُمْ يا يَهُودُ عَلَيْكُمْ خاصّةً لا تَعْدُوا في السّبْت » فقبّلا يده ورجله ، وقالا : نشهد أنك نبيّ ، قال : «فما يمنعكما أن تسلما ؟ » قالا : إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ ، وإنا نخشى أن تقتلنا يهود .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سهل بن يوسف وأبو داود وعبد الرحمن بن مهدي ، عن سعيد ، عن عمرو ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدّث عن صفوان بن عسال المرادي ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أن ابن مهديّ قال : «لا تَمْشُوا إلى ذي سُلْطانٍ » وقال ابن مهدي : أراه قال : «ببريء » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو أسامة بنحوه ، عن شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبيّ ، فقال صاحبه : لا تقل نبيّ ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين ، قال : فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألانه عن تسع آيات بينات ، فقال : «هنّ : وَلا تُشْرِكُوا باللّهِ شَيْئا ، وَلا تَسْرِقُوا ، وَلا تَزْنُوا ، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلى ذِي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلا تَسْحَرُوا ، وَلا تَأْكُلُوا الرّبا ، وَلا تَقْذِفُوا المُحْصَنَةَ ، وَلا تَوَلّوْا يَوْمَ الزّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خاصَةً يَهُودُ : أنْ لا تَعْدُوا في السّبْتِ » قال : فقبّلوا يديه ورجليه ، وقالوا : نشهد أنك نبيّ ، قال : «فَمَا يَمْنَعُكُمْ أنْ تَتّبِعُونِي ؟ » قالوا : إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسّال ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وأما قوله : فاسأَلْ بَنِي إسْرَائيلَ إذْ جاءَهُمْ فإن عامّة قرّاء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى : فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى ورُوي عن الحسن البصري في تأويله ما :

حدثني به الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن فأسأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ قال : سؤالك إياهم : نظرك في القرآن .

ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : «فَسَأَلَ » بمعنى : فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه على وجه الخبر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن حنظلة السّدوسيّ ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «فَسأَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جاءَهُمْ » يعني أن موسى سأل فرعونَ بني إسرائيل أن يرسلهم معه .

والقراءة التي لا أستجيز أن يُقرأ بغيرها ، هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها ، ورغبتهم عما خالفهم .

وقوله : فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنَ إنّي لأَطُنّكَ يا مُوسَى مَسْحُورا يقول : فقال لموسى فرعونُ : إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك وقد يجوز أن يكون مرادا به إني لأظنك يا موسى ساحرا ، فوُضِع مفعول موضع فاعل ، كما قيل : إنك مشؤوم علينا وميمون ، وإنما هو شائم ويامن . وقد تأوّل بعضهم حجابا مستورا ، بمعنى : حجابا ساترا ، والعرب قد تخرج فاعلاً بلفظ مفعول كثيرا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع ، وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، واختلفوا في الأربع ، فقال ابن عباس : هي يده ولسانه حين انحلت عقدته ، وعصاه والبحر ، وقال محمد بن كعب القرطبي : هي البحر والعصا والطمسة والحجر ، وقال سألني عن ذلك عمر بن عبد العزيز فأخبرته ، فقال لي : وما الطمسة ؟ فقلت دعا موسى وآمن هارون فطمس الله أموالهم وردها حجارة ، فقال عمر : وهل يكون الفقه إلا هكذا ؟ ثم دعا بخريطة فيها غرائب كانت لعبد العزيز بن مروان ، جمعها بمصر ، فاستخرج منها الحوزة والبيضة والعدسة وهي كلها حجر كانت من بقايا أموال آل فرعون ، وقال الضحاك : هي إلقاء العصا مرتين ، واليد ، وعقدة لسانه ، وقال عكرمة ومطر الوراق ، والشعبي : هي العصا واليد والسنون ونقص الثمرات ، وقال الحسن : هي العصا في كونها ثعباناً وتلقف العصا ما يأفكون ، وقال ابن عباس : هي السنون في بواديهم ، ونقص الثمرات في قراهم ، واليد ، والعصا ، وروى مطرف عن مالك أنها العصا ، واليد ، والجبل إذ نتق ، والبحر ، وروى ابن وهب عنه مكان البحر الحجر ، والذي يلزم من الآية أن الله تعالى خص من آيات موسى إذ هي كثيرة جداً تنيف على أربع وعشرين ، تسعاً بالذكر ووصفها بالبيان ولم يعينها ، واختلف العلماء في تعيينها بحسب اجتهادهم في بيانها أو روايتهم التوقيف في ذلك ، وقالت فرقة آيات موسى إنما أريد بها آيات التوراة التي هي أوامر ونواه ، روى في هذا صفوان بن عسال{[7719]} ، أن يهود المدينة قال لآخر : سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى ، فقال له الآخر : لا تقل إنه نبي ، فإنه لو سمعك صار له أربع أعين ، قال : فسارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال «هن أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرفوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت »{[7720]} ، وقرأ الجمهور «فاسأل بني إسرائيل » وروي عن الكسائي «فسل » على لغة من قال سأل يسأل{[7721]} ، وهذا كله على معنى الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي اسأل معاصريك عما أعلمناك به من غيب القصة ، ثم قال { إذ جاءهم } يريد آباءهم ، وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم ، ويحتمل أن يريد { فاسأل بني إسرائيل } الأولين الذين جاءهم موسى وتكون إحالته إياه على سؤالهم بطلب إخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم نحو قوله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا }{[7722]} [ الزخرف : 45 ] وهذا كما تقول لمن تعظه : سل الأمم الخالية هل بقي منها مخلد ؟ ونحو هذا مما يجعل النظر فيه مكان السؤال ، قال الحسن : سؤالك نظرك في القرآن وقرأ ابن عباس «فسأل بني إسرائيل » أي فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب ، وقوله { مسحوراً } اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة هو مفعول على بابه ، أي إنك قد سحرت ، فكلامك مختل ، وما تأتي به غير مستقيم ، وقال الطبري : هو مفعول بمعنى فاعل كما قال { حجاباً مستوراً }{[7723]} [ الإسراء : 45 ] وكما قالوا مشؤوم وميمون وإنما هو شايم ويامن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يتخرج إلى على النسب أي ذا سحر ملكته وعلمته ، فأنت تأتي بهذه الغرائب لذلك ، وهذه مخاطبة تنقص ، فيستقيم أن يكون { مسحوراً } مفعولاً على ظاهره ، وعلى أن يكون بمعنى ساحر يعارضنا ( أما ){[7724]} ما حكي عنهم أنهم قالوا له على جهة المدح { يا أيها الساحر ادع لنا ربك }{[7725]} [ الزخرف : 49 ] فإما أن يكون القائلون هنالك ليس فيهم فرعون وإما أن يكون فيهم لكنه تنقل من تنقصه إلى تعظيمه ، وفي هذا نظر .


[7719]:هو صفوان بن عسال (بمهملتين)، المرادي، صحابي معروف، نزل الكوفة (تقريب التهذيب).
[7720]:أخرجه الطيالسي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، والبيهقي معا في الدلائل، عن صفوان بن عسال. ذكر ذلك في (الدر المنثور). وفي آخر الحديث زيادة على ما هنا (فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبي. وإنا نخاف – إن أسلمنا – أن تقتلنا اليهود).
[7721]:نقل في اللسان (سأل) عن الأخفش قوله: "يقال: خرجنا نسأل عن فلان وبفلان، وقد يخفف فيقال: سال يسال، والأمر منه سل، قال الشاعر: ومرهق سال إمتاعا بأصدتــــــه لم يستعن وحوامي الموت تغشاه".
[7722]:من الآية (45) من سورة (الزخرف).
[7723]:من الآية (45) من هذه السورة (الإسراء).
[7724]:زيادة تقتضيها سلامة العبارة.
[7725]:هذا في الآية الكريمة رقم (49) من سورة (الزخرف)، في قوله سبحانه: {وقالوا يأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

بَقي قولهم : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } [ الإسراء : 92 ] غيرَ مردود عليهم ، لأن له مخالفة لبقية ما اقترحوه بأنه اقتراح آية عِذاب ورعب ، فهو من قبيل آيات موسى عليه السلام التسع . فكان ذكر ما آتاه الله موسى من الآيات وعدم إجداء ذلك في فرعون وقومه تنظيراً لما سأله المشركون .

والمقصود : أننا آتينا موسى عليه السلام تسع آيات بيّناتتِ الدلالة على صدقه فلم يهتد فرعون وقومه وزعموا ذلك سحراً ، ففي ذلك مَثلٌ للمكابرين كلهم وما قريش إلا منهم . ففي هذا مثَل للمعاندين وتسلية للرسول . والآيات التسع هي : بياض يده كلما أدخلها في جيبه وأخرجَها ، وانقلاب العصا حية ، والطوفان ، والجراد ، والقُمّل ، والضفادع ، والدم ، والرجز وهو الدمل ، والقحط وهو السنون ونقص الثمرات ، وهي مذكورة في سورة الأعراف . وجمعها الفيروزآبادي في قوله :

عَصًا ، سَنَةٌ ، بَحْر ، جراد ، وقُمّل *** يَدٌ ، ودَمٌ ، بعد الضفادع طُوفَانُ

فقد حصلت بقوله : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } الحجة على المشركين الذين يقترحون الآيات .

ثم لم يزل الاعتناء في هذه السورة بالمقارنة بين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالة موسى عليه السلام إقامةً للحجة على المشركين الذين كذبوا بالرسالة بعلة أن الذي جاءهم بشر ، وللحجة على أهل الكتاب الذين ظاهروا المشركين ولقنوهم شُبه الإلحاد في الرسالة المحمدية ليصفو لهم جَوّ العلم في بلاد العرب وهم ما كانوا يحسبون لما وراء ذلك حساباً .

فالمعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات على رسالته .

وهذا مثل التنظير بين إيتاء موسى الكتاب وإيتاء القرآن في قوله في أول السورة { وآتينا موسى الكتاب } [ الإسراء : 2 ] الآيات ، ثم قوله : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ الإسراء : 9 ] .

فتكون هذه الجملة عطفاً على جملة { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً } [ الإسراء : 93 ] أو على جملة { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي } الآية [ الإسراء : 100 ] .

ثم انتقل من ذلك بطريقة التفريع إلى التسجيل ببني إسرائيل استشهاداً بهم على المشركين ، وإدماجاً للتعريض بهم بأنهم سَاووا المشركين في إنكار نبوءة محمد ومظاهرتهم المشركين بالدس وتلقين الشبه ، تذكيراً لهم بحال فرعون وقومه { إذ قال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً } .

والخطاب في قوله : { فسئل } للنبيء صلى الله عليه وسلم والمراد : سؤال الاحتجاج بهم على المشركين لا سؤال الاسترشاد كما هو بين .

وقوله : { مسحوراً } ظاهره أن معناه متأثراً بالسحر ، أي سحَركَ السحرة وأفسدوا عقلك فصُرت تهرف بالكلام الباطل الدال على خلل العقل ( مثل المَيْمون والمشؤوم ) . وهذا قول قاله فرعون في مقام غير الذي قال له فيه { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } [ الشعراء : 35 ] ، والذي قال فيه { إن هذا لساحر عليم } ، [ الشعراء : 34 ] فيكون إعراضاً عن الاشتغال بالآيات وإقبالاً على تطلع حال موسى فيما يقوله من غرائب الأقوال عندهم .

ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنه قال { لمن حوله ألا تستمعون } [ الشعراء : 25 ] . وكل تلك أقوال صدرت من فرعون في مقامات محاوراته مع موسى عليه السلام فحكي في كل آية شيء منها .

و ( إذا ) ظرف متعلق ب { آتينا } . والضمير المنصوب في { جاءهم } عائد إلى بني إسرئيل . وأصل الكلام : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات إذ جاء بني إسرائيل ، فاسألْهم .

وكان فرعون تعلق ظنه بحقيقة ما أظهر من الآيات فرجح عنده أنها سحر ، أوْ تعلق ظنه بحقيقة حال موسى فرجح عنده أنه أصابه سحر ، لأن الظن دون اليقين ، قال تعالى : { إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] . وقد يستعمل الظن بمعنى العلم اليقين .