في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

غير أن القرآن لا يكلهم إلى هذه اللمسات الأولى . إنما يلح على قلوبهم بموحيات الإيمان وموجباته من واقع حياتهم وملابساتها :

( وما لكم لا تؤمنون بالله ، والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ، وقد أخذ ميثاقكم ، إن كنتم مؤمنين . هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور . وإن الله بكم لرؤوف رحيم ) . .

فما الذي يعوقهم عن الإيمان - حق الإيمان - وفيهم الرسول يدعوهم إلى الإيمان . وقد بايعوه عليه وأعطوه ميثاقهم ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وما لكم لا تؤمنون بالله ، وما شأنكم أيها الناس لا تقرّون بوحدانية الله ، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيته ، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك ، ما قطع عذركم ، وأزال الشكّ من قلوبكم ، وقد أخذ ميثاقكم ، قيل : عني بذلك وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صُلب آدم ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ قال : في ظهر آدم .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ بفتح الألف من أخذ ونصب الميثاق ، بمعنى : وقد أخذ ربكم ميثاقكم . وقرأ ذلك أبو عمرو : «وقَدْ أُخِذَ مِيثاقُكُمْ » بضمّ الألف ورفع الميثاق ، على وجه ما لم يسمّ فاعله .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وإن كان فتح الألف من أخذ ونصب الميثاق أعجب القراءتين إليّ في ذلك لكثرة القرأة بذلك ، وقلة القراء بالقراءة الأخرى .

وقوله : إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول : إن كنتم تريدون أن تؤمنوا بالله يوما من الأيام ، فالاَن أحرى الأوقات ، أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه ، ودعائه إياكم إلى ما قد تقرّرت صحته عندكم بالإعلام والأدلة والميثاق المأخوذ عليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

وقوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله } الآية توطئة لدعائهم وإيجاب لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة فإذا تقرر ذلك فلا مانع من الإيمان ، وهذا كما تريد أن تندب رجلاً إلى عطاء فتقول له : أنت يا فلان من قوم أجواد فينبغي أن تكرم ، وهذا مطرد في جميع الأمور إذا أردت من أحد فعلاً خلقته بخلق أهل ذلك الفعل وجعلت له رتبتهم ، فإذا تقرر في هؤلاء أن الرسول يدعو وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم فكيف يمتنعون من الإيمان .

وقرأ جمهور القراء : «وقد أَخذ » على بناء الفعل للفاعل . وقرأ أبو عمرو : «قد أُخذ » على بناء الفعل للمفعول والآخذ على كل قول هو الله تعالى ، وهو الآخذ حين الإخراج من ظهر آدم على ما مضى في غير هذه السورة{[10953]} ، والمخاطبة ببناء الفعل للمفعول أشد غلظة على المخاطب ، ونحوه قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10954]} [ هود : 112 ] وكما تقول لامرئ : افعل كما قيل لك ، فهو أبلغ من قولك : افعل ما قلت لك .

وقوله : { إن كنتم مؤمنين } قال الطبري المعنى : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى ليس في ألفاظ الآية وفيه إضمار كثير ، وإنما المعنى عندي أن قوله : وإن الرسول { يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } ، يقتضي أن يقدر بأثره : فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة إن كنتم مؤمنين ، أي إن دمتم على ما بدأتم به .


[10953]:عند تفسير قوله تعالى:{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم}، الآية(172) من سورة (الأعراف). (جـ6 ص134).
[10954]:من الآية (112) من سورة (هود).