في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

135

ويستمر السياق في رسم الصور الزرية المنفرة :

( مذبذبين بين ذلك . لا إلى هؤلاء . ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا ) . .

وموقف الذبذبة ، والأرجحة ، والاهتزاز ، وعدم الاستقرار والثبات في أحد الصفين : الصف المؤمن أو الصف الكافر . . موقف لا يثير إلا الاحتقار والاشمئزاز كذلك في نفوس المؤمنين . كما أنه يوحي بضعف المنافقين الذاتي . هذا الضعف الذي يجعلهم غير قادرين على اتخاذ موقف حاسم هنا أو هناك . . ولا على المصارحة برأي وعقيدة وموقف . . مع هؤلاء أو هؤلاء . .

ويعقب على هذه الصور الزرية ، وهذه المواقف المهزوزة ، بأنهم قد حقت عليهم كلمة الله ؛ واستحقوا ألا يعينهم في الهداية ؛ ومن ثم فلن يستطيع أحد أن يهديهم سبيلا . ولا أن يجد لهم طريقا مستقيما :

( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ مّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَىَ هََؤُلآءِ وَلاَ إِلَى هََؤُلآءِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { مُذَبْذَبِينَ } : مردّدين ، وأصل التذبذب : التحرّك والاضطراب ، كما قال ، النابغة :

ألَمْ تَرَ أنْ اللّهَ أعْطَاكَ سُورَةً ***ترَى كُلّ مَلْكٍ دُوَنها يَتَذبْذَبُ

وإنا عنى بذلك : أن المنافقين متحيرون في دينهم ، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحةٍ فهم لامع المؤمنين على بصيرة ، ولا مع المشركين على جهالة ، ولكنهم حيارى بين ذلك ، فمثلهم المثل الذي ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :

حدثنا به محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهبا ، قال : حدثنا عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «مَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَله الشّاةِ العائِرةِ بَيَنَ الغَنَمَيْنِ ، تَعِيرُ إلى هَذِهِ مَرّةً وَإلى هَذِهِ مَرّةً ، لا تَدْرِي أيّتَهُما تَتْبَعُ » .

وحدثنا به محمد بن المثنى مرّة أخرى عن عبد الوهاب ، فوقفه على ابن عمر ولم يرفعه ، قال : حدثنا عبد الوهاب مرْتين كذلك .

ثني عمران بن بكار ، قال : حدثنا أبو روح ، قال : حدثنا ابن عباس ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { مُذَبْذَبِينَ بينَ ذَلِكَ لا إلى هَؤلاءِ وَلا إلى هَؤُلاءِ } يقول : ليسوا بمشركين فيظهروا الشرك ، وليسوا بمؤمنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { مُذَبْذَبينَ بينَ ذَلِكَ لا إلى هَؤُلاءِ وَلا إلى هَؤُلاءِ } يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرّحين بالشرك . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله عليه الصلاة والسلام كان يضرب مثلاً للمؤمن والمنافق والكافر ، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر ، فوقع المؤمن فقطع ، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ، ناداه الكافر : أن هلمّ إليّ فإني أخشى عليك ! وناداه المؤمن : أن هلمّ إليّ فإن عندي وعندي ! يحصي له ما عنده . فما زال المنافق يتردّد بينهما حتى أتي عليه الماء فغرّقه ، وإن المنافق لم يزل في شكّ وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «مَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَلِ ثاغِيَةٍ بينَ غَنَمَيْنِ رأتْ غَنَما عَلى نَشَزٍ ، فَأتَتْها فَلَمْ تُعْرَفْ ، ثمّ رأتْ غَنما على نَشَزٍ فَأتَتْها وَشامّتْها فَلَمْ تُعْرَفْ » .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { مُذَبْذَبِينَ } قال : المنافقون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مُذَبْذَبينَ بينَ ذَلِكَ لا إلى هَؤُلاءِ وَلا إلى هُؤلاءِ } يقول : لا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى هؤلاء اليهود .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { مُذَبْذَبِينَ بينَ ذَلِكَ } قال : لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين ، وليسوا مع أهل الشرك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { مذَبْذَبِينَ بينَ ذَلكَ } : بين الإسلام والكفر { لا إلى هَؤُلاءِ وَلا إلى هَؤلاءِ } .

وأما قوله : { وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } فإنه يعني : من يخذ له الله عن طريق الرشاد وذلك هو الإلام الذي دعا الله إليه عباده ، يقول : من يخذ له الله عنه فلم يوفقه له ، فلن تجد له يا محمد سبيلاً : يعني طريقا يسلكه إلى الحقّ غيره . وأيّ سبيل يكون له إلى الحقّ غير الإسلام ؟ وقد أخبر الله جل ثناؤه : أنه من يتبع غيره دينا فلن يُقبل منه ، ومن أضله الله عنه فقد غوى ، فلا هادي له غيره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

{ مذبذبين بين ذلك } حال من واو { يراؤون } كقوله : { ولا يذكرون } أي يراؤونهم غير ذاكرين مذبذبين أو واو يذكرون أو منصوب على الذم ، والمعنى : مرددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهي جعل الشيء مضطربا ، وأصله الذي بمعنى الطرد . وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو يتذبذبون كقولهم : صلصل بمعنى تصلصل . وقرئ بالدال غير المعجمة بمعنى أخذوا تارة في دبة وتارة في دبة وهي الطريقة . { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين ، أو لا صائرين إلى أحد الفريقين بالكلية . { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } إلى الحق والصواب ، ونظيره قوله تعالى : { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .