غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

142

ومعنى مذبذبين ذبذبهم الشيطان والهوى . وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يذاد ويدفع إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب كأن المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه . وقرأ ابن عباس { مذبذبين } بالكسر أي يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو رأيهم . وعن أبي جعفر " مدبدبين " بالدال غير المعجمة والمعنى أخذ بهم تارة في دبة وتارة في دبة والدبة الطريقة . ومعنى { بين ذلك } أي بين الكفر والإيمان لأن ذكر الكافرين والمؤمنين يدل على الكفر والإيمان وذلك قد يشار به إلى اثنين كقوله :{ عوان بين ذلك }[ البقرة :68 ] واعلم أن السبب في التذبذب هو أن الفعل يتوقف على الداعي ، فإذا كان الداعي إلى الفعل هو الأغراض المتعلقة بأحوال هذا العالم وأنها سيالة متغيرة لزم وقوع التغير في الميل والرغبة ، وإذا تعارضت الدواعي والصوارف بقي الإنسان في الحيرة والتردد ، وأما من كان مطلوبه في فعله اقتناء الخيرات الباقية واكتساب السعادات الروحانية وعلم أن تلك المطالب أمور باقية بريئة عن التغير والزوال ، لا جرم كان هذا الإنسان ثابتاً في إيمانه راسخاً في شأنه فلهذا المعنى وصف أهل الإيمان بالثبات { يثبت الله الذين آمنوا }[ إبراهيم :27 ]{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب }[ الرعد :28 ]{ يا أيتها النفس المطمئنة }[ الفجر :27 ] قيل : إنه تعالى ذمهم ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكفار ، والذم على ترك طريقة الكفار غير جائز . قلنا : إنما توجه الذم لأنهم عدلوا عن الكفر إلى ما هو أخبث وهو طريق النفاق ولهذا ورد فيهم من المبالغات ما ورد من قوله :{ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } [ الرعد :28 ]

/خ152