ويمضي السياق إلى خاتمة القصة بين عيسى - عليه السلام - وبني إسرائيل :
( ومكروا ومكر الله ، والله خير الماكرين . إذ قال الله : يا عيسى إني متوفيك ، ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ، فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ، وما لهم من ناصرين . وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ، والله لا يحب الظالمين ) . .
والمكر الذي مكره اليهود الذين لم يؤمنوا برسولهم - عيسى عليه السلام - مكر طويل عريض . فقد قذفوه عليه السلام وقذفوا الطاهرة أمه مع يوسف النجار خطيبها الذي لم يدخل بها كما تذكر الأناجيل . . وقد اتهموه بالكذب والشعوذة ؛ ووشوا به إلى الحاكم الروماني " بيلاطس " وادعوا أنه " مهيج " يدعو الجماهير للانتقاض على الحكومة ! وأنه مشعوذ يجدف ويفسد عقيدة الجماهير ! حتى سلم لهم بيلاطس بأن يتولوا عقابه بأيديهم ، لأنه لم يجرؤ - وهو وثني - على احتمال تبعة هذا الإثم مع رجل لم يجد عليه ريبة . . وهذا قليل من كثير . .
( ومكروا ومكر الله . والله خير الماكرين ) . .
والمشاكلة هنا في اللفظ هي وحدها التي تجمع بين تدبيرهم وتدبير الله . . والمكر التدبير . . ليسخر من مكرهم وكيدهم إذا كان الذي يواجهه هو تدبير الله . فأين هم من الله ؟ وأين مكرهم من تدبير الله ؟
{ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل ، وهم الذين ذكر الله أن عيسى أحسّ منهم الكفر ، وكان مكرهم الذي وصفهم الله به ، مواطأة بعضهم بعضا على الفتك بعيسى وقتله ، وذلك أن عيسى صلوات الله عليه بعد إخراج قومه إياه وأمه من بين أظهرهم عاد إليهم ، فيما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثم إن عيسى سار بهم : يعني بالحواريين الذين كانوا يصطادون السمك ، فآمنوا به واتبعوه إذ دعاهم حتى أتى بني إسرائيل ليلاً فصاح فيهم ، فذلك قوله : { فآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ } . . . الاَية .
وأما مكر الله بهم فإنه فيما ذكر السديّ : إلقاؤه شبه عيسى على بعض أتباعه ، حتى قتله الماكرون بعيسى ، وهم يحسبونه عيسى ، وقد رفع الله عزّ وجلّ عيسى قبل ذلك .
كما : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثم إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت ، فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة ، فأخذها رجل منهم ، وصُعِد بعيسى إلى السماء ، فذلك قوله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ } . فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر ، فأخبروهم أن عيسى قد صعد به إلى السماء ، فجعلوا يعدّون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدّة ، ويرون صورة عيسى فيهم فشكّوا فيه ، وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى ، وصلبوه ، فذلك قول الله عزّ وجلّ { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ } .
وقد يحتمل أن يكون معنى مكر الله بهم استدراجه إياهم ليبلغ الكتاب أجله ، كما قد بينا ذلك في قول الله : { اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.