في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (28)

21

وهنا يلفتهم إلى الحقيقة الواقعة . فقد دمر الله على المشركين قبلهم وأهلكهم دون أن تنجيهم آلهتهم التي كانوا يتخذونها من دون الله ، زاعمين أنهم يتقربون بها إليه . سبحانه . وهي تستنزل غضبه ونقمته : ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ) .

إنهم لم ينصروهم ( بل ضلوا عنهم ) . . وتركوهم وحدهم لا يعرفون طريقا إليهم أصلا ، فضلا على أن يأخذوا بيدهم وينجدوهم من بأس الله .

( وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ) . .

فهو إفك . وهو افتراء . وذلك مآله . وتلك حقيقته . . الهلاك والتدمير . . فماذا ينتظر المشركون الذين يتخذون من دون الله آلهة بدعوى أنها تقربهم من الله زلفى ? وهذه هي العاقبة وهذا هو المصير ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (28)

يقول تعالى ذكره لكفار قريش محذّرهم بأسه وسطوته ، أن يحلّ بهم على كفرهم وَلَقَدْ أهْلَكْنا أيها القوم من القُرَى ما حول قريتكم ، كحِجْرِ ثمود وأرض سدوم ومأرب ونحوها ، فأنذرنا أهلها بالمَثُلات ، وخرّبنا ديارها ، فجعلناها خاوية على عروشها .

وقوله : وَصَرّفْنا الاَياتِ يقول : ووعظناهم بأنواع العظات ، وذكرناهم بضروب من الذّكْر والحجج ، وبيّنا لهم ذلك . كما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَصَرّفْنا الاَياتِ قال بيّناها لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول ليرجعوا عما كانوا عليه مقيمين من الكفر بالله وآياته . وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام عليه ، وهو : فأبوا إلا الإقامة على كفرهم ، والتمادي في غيهم ، فأهلكناهم ، فلن ينصرهم منا ناصر يقول جلّ ثناؤه : فلولا نصر هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم الخالية قبلهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتها قربانا يتقرّبون بها فيما زعموا إلى ربهم منا إذ جاءهم بأسنا ، فتنقذهم من عذابنا إن كانت تشفع لهم عند ربهم كما يزعمون ، وهذا احتجاج من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على مُشركي قومه ، يقول لهم : لو كانت آلهتكم التي تعبدون من دون الله تغني عنكم شيئا ، أو تنفعكم عند الله كما تزعمون أنكم إنما تعبدونها ، لتقرّبكم إلى الله زلفى ، لأغنت عمن كان قبلكم من الأمم التي أهلكتها بعبادتهم إياها ، فدفعت عنها العذاب إذا نزل ، أو لشفعت لهم عند ربهم ، فقد كانوا من عبادتها على مثل الذي عليه أنتم ، ولكنها ضرّتهم ولم تنفعهم : يقول تعالى ذكره : بل ضلوا عنهم يقول : بل تركتهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها ، فأخذت غير طريقهم ، لأن عبدتها هلكت ، وكانت هي حجارة أو نحاسا ، فلم يصبها ما أصابها ودعوها ، فلم تجبهم ، ولم تغثهم ، وذلك ضلالها عنهم ، وذلك إفكهم ، يقول عزّ وجلّ هذه الاَلهة التي ضلّت عن هؤلاء الذين كانوا يعبدونها من دون الله عند نزول بأس الله بهم ، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم ، فخذلتهم ، هو إفكهم : يقول : هو كذبهم الذي كانوا يكذّبون ، ويقولون هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون ، يقول : وهو الذي كانوا يفترون ، فيقولون : هي تقرّبنا إلى الله زُلفى ، وهي شفعاؤنا عند الله . وأخرج الكلام مخرج الفعل ، والمعنيّ المفعول به ، فقيل : وذلك إفكهم ، والمعنيّ فيه : المأفوك به لأن الإفك إنما هو فعل الاَفك ، والاَلهة مأفوك بها . وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل ، قال : وكذلك قوله : وَما كانُوا يَفْتَرُونَ .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله وَذَلك إفْكُهُمْ فقرأته عامة قرّاء الأمصار : وذلك إفكهم بكسر الألف وسكون الفاء وضم الكاف بالمعنى الذي بيّنا . ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك ما :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عمن حدثه ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأها «وَذَلِكَ أَفْكَهُمْ » يعني بفتح الألف والكاف وقال : أضلهم . فمن قرأ القراءة الأولى التي عليها قرّاء الأمصار ، فالهاء والميم في موضع خفض . ومن قرأ هذه القراءة التي ذكرناها عن ابن عباس فالهاء والميم في موضع نصب ، وذلك أن معنى الكلام على ذلك ، وذلك صرفهم عن الإيمان بالله .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، القراءة التي عليها قرأة الأمصار لإجماع الحجة عليها .