فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (28)

ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر ، فقال : { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً ءالِهَةَ } أي فهلا نصرهم آلهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا : { هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله } [ يونس : 18 ] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم . قال الكسائي : القربان : كل ما يتقرّب به إلى الله من طاعة ونسيكة ، والجمع قرابين ، كالرهبان والرهابين ، وأحد مفعولي { اتخذوا } ضمير راجع إلى الموصول ، والثاني آلهة ، و { قرباناً } حال ، ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً ، و { آلهةً } بدلاً منه لفساد المعنى ، وقيل : يصح ذلك ولا يفسد المعنى ، ورجحه ابن عطية ، وأبو البقاء ، وأبو حيان ، وأنكر أن يكون في المعنى فساد على هذا الوجه { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } أي غابوا عن نصرهم ، ولم يحضروا عند الحاجة إليهم ، وقيل : بل هلكوا ، وقيل : الضمير في ضلوا راجع إلى الكفار : أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها ، والأوّل أولى ، والإشارة بقوله : { وَذَلِكَ } إلى ضلال آلهتهم . والمعنى : وذلك الضلال والضياع أثر { إِفْكِهِمْ } الذي هو اتخاذهم إياها آلهةً وزعمهم أنها تقرّبهم إلى الله . قرأ الجمهور { إفكهم } بكسر الهمزة ، وسكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكاً : أي كذبهم . وقرأ ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد بفتح الهمزة والفاء والكاف على أنه فعل : أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد . وقرأ عكرمة بفتح الهمزة وتشديد الفاء : أي صيرهم آفكين . قال أبو حاتم : يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ بالمدّ وكسر الفاء بمعنى صارفهم { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } معطوف على { إفكهم } : أي وأثر افترائهم ، أو أثر الذي كانوا يفترونه . والمعنى : وذلك إفكهم : أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقرّبهم إلى الله ، وتشفع لهم { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي يكذبون أنها آلهة .

/خ28