فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (28)

ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر فقال :{ فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة } أي فهلا نصرهم آلهتهم التي تقربوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم .

قال الكسائي : القربان كل ما يتقرب به إلى الله من طاعة ونسيكة ، والجمع قرابين كالرهبان والرهابين ، وأحد مفعولي اتخذوا ضمير محذوف راجع إلى الموصول ، والثاني آلهة وقربانا حال ، ولا يصح أن يكون قربانا مفعولا ثانيا وآلهة بدلا منه الفاسد المعنى ، وقيل يصح ذلك ولا يفسد المعنى ورجحه ابن عطية وأبو البقاء وأبو حيان ، وأنكر أن يكون في المعنى فساد على هذا الوجه .

{ بل ضلوا عنهم } أي غابوا عن نصرهم ولم يحضروا عند الحاجة إليهم بالكلية ، وقيل : بل هلكوا وقيل الضمير في ضلوا راجع إلى الكفار أي تركوا الأصنام وتبرؤا منها والأول أولى .

{ وذلك إفكهم } أي ذلك الضلال والضياع أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة ، وزعمهم أنها تقربهم إلى الله قرأ الجمهور إفكهم بكسر الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكا أي كذبهم ، وقرئ أفك بفتح الهمزة والفاء والكاف على أنه فعل أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد وقرئ بفتح الهمزة وتشديد الفاء أي صيرهم آفكين ، قال أبو حاتم يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم ، وقرئ بالمد وكسر الفاء بمعنى صارفهم .

{ وما كانوا يفترون } معطوف على إفكهم أي وأثر إفترائهم أو أثر الذي كانوا يفترونه والمعنى وذلك إفكهم أي كذبهم الذي يقولون : أنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم وما كانوا يكذبون أنها آلهة ولما بين سبحانه أن في الإنس من آمن ، وفيهم من كفر بين أيضا أن في الجن كذلك فقال :

{ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن } أي اذكر إذ وجهنا إليك نفرا منهم وبعثناهم إليك ، وأقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة { يستمعون القرآن } صفة ثانية لنفر أو حال ، لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى .