إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (28)

{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ } القُربانُ : ما يُتقربُ بهِ إلى الله تعالَى . وأحدُ مفعولَيْ اتخذُوا ضميرُ الموصولِ المحذوفِ ، والثانِي آلهةً ، وقرباناً حالٌ ، والتقديرُ فهلاَّ نصرهُم وخلَّصُهم من العذابِ الذين اتخذُوهم آلهةً حالَ كونِها متقرَّباً بها إلى الله تعالَى ، حيثُ كانُوا يقولونَ ما نعبدُهم إلا ليقربونَا إلى الله زُلْفى ، وهؤلاءِ شفعاؤُنا عندَ الله . وفيه تهكمٌ بهم ، ولا مساغَ لجعلِ قرباناً مفعولاً ثانياً ، وآلهةً بدلاً منه لفسادِ المَعْنى ؛ فإنَّ البدلَ وإنْ كانَ هو المقصودَ لكنَّه لا بُدَّ في غيرِ بدلِ الغلطِ من صحةِ المَعْنى بدونِه ، ولا ريبَ في أنَّ قولَنا اتخذوهُم من دونِ الله قُرباناً ، أي متقرباً به مما لا صحةَ له قطعاً ؛ لأنَّه تعالَى متقرَّبٌ إليهِ لا متقرَّبٌ بهِ فلا يصحُّ أنَّهم اتخذُوهم قرباناً متجاوزينَ الله في ذلكَ وقُرِئ قُرُباناً بضمِّ الراءِ { بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ } أي غابُوا عنْهم وفيه تهكمٌ آخرُ بهم كأنَّ عدمَ نصرِهم لغيبتِهم أو ضاعُوا عنُهم أي ظهرَ ضياعُهم عنهم بالكُليَّةِ ، وقيل : امتنعَ نصرُهم امتناعَ نصرِ الغائبِ عن المنصورِ { وَذَلِكَ } أي ضياعُ آلهتِهم عنُهم وامتناعُ نصرِهم { إِفْكِهِمْ } أيْ أثرُ إفكِهم الذي هُو اتِّخاذُهم إيَّاهَا آلهةً ونتيجةُ شركِهم . وقُرِئ أفَكُهم ، وكلاهُما مصدرٌ كالحِذْرِ والحَذَرِ ، وقُرِئ أَفَكَهُم على صيغةِ الماضِي ، فذلكَ إشارةٌ حينئذٍ إلى الاتخاذِ أيْ وذلكَ الاتخاذُ الذي هذه ثمرتُه وعاقبتُه صرفَهُم عن الحقِّ ، وقُرِئ أَفَّكَهُم بالتشديدِ للمبالغةِ ، وآفَكَهُم من الأفعالِ أي جعلهم آفكين ، وقُرِئ آفِكُهُم على صيغةِ اسمِ الفاعلِ مضافاً إلى ضميرِهم أي قولُهم الإفكُ أي ذُو الإفكِ ، كما يقالُ قولٌ كاذبٌ . { وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } عطفٌ على إفكُهم أي وأثرُ افترائِهم على الله تعالى ، أو أثرُ ما كانُوا يفترونه عليه تعالى ، وقرئ وذلك إفكٌ مما كانوا يفترون أي بعض ما كانوا يفترونَ من الإفكِ .