يقسم بالسماء ونجمها الثاقب : أن كل نفس عليها من أمر الله رقيب : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) . . وفي التعبير بصيغته هذه معنى التوكيد الشديد . . ما من نفس إلا عليها حافظ . يراقبها ، ويحصي عليها ، ويحفظ عنها ، وهو موكل بها بأمر الله . ويعين النفس لأنها مستودع الأسرار والأفكار . وهي التي يناط بها العمل والجزاء .
ليست هنالك فوضى إذن ولا هيصة ! والناس ليسوا مطلقين في الأرض هكذا بلا حارس . ولا مهملين في شعابها بلا حافظ ، ولا متروكين يفعلون كيف شاءوا بلا رقيب . إنما هو الإحصاء الدقيق المباشر ، والحساب المبني على هذا الإحصاء الدقيق المباشر .
ويلقي النص إيحاءه الرهيب حيث تحس النفس أنها ليست أبدا في خلوة - وإن خلت - فهناك الحافظ الرقيب عليها حين تنفرد من كل رقيب ، وتتخفي عن كل عين ، وتأمن من كل طارق . هنالك الحافظ الذي يشق كل غطاء وينفذ إلى كل مستور . كما يطرق النجم الثاقب حجاب الليل الساتر . . وصنعة الله واحدة متناسقة في الأنفس وفي الآفاق .
وقوله : إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر ، ومن قرّاء الكوفة حمزة لَمّا عَلَيْها بتشديد الميم . وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن الحسن أنه كان يقرؤها : إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ مشدّدة ، ويقول : إلاّ عليها حافظ ، وهكذا كلّ شيء في القرآن بالتثقيل .
وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع ، ومن أهل البصرة أبو عمرو : «لَمَا » بالتخفيف ، بمعنى : إن كلّ نفس لعليها حافظ . وعلى أن اللام جواب «إن » و«ما » التي بعدها صلة . وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد .
والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك : التخفيف ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب ، أن يكون معروفا من كلام العرب ، غير أن الفرّاء كان يقول : لا نعرف جهة التثقيل في ذلك ، ونرى أنها لغة من هُذَيل ، يجعلون إلا مع إن المخففة لَمَا ، ولا يجاوزون ذلك ، كأنه قال : ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ ، فإن كان صحيحا ما ذكر الفرّاء ، من أنها لغة هُذَيل ، فالقراءة بها جائزة صحيحة ، وإن كان الاختيار أيضا إذا صحّ ذلك عندنا ، القراءة الأخرى ، وهي التخفيف ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر . وقد :
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا معاذ ، عن ابن عون ، قال : قرأت عند ابن سيرين : «إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » فأنكره ، وقال : سبحان الله ، سبحان الله .
فتأويل الكلام : إذن : إن كلّ نفس لَعَليها حافظ من ربها ، يحفظ عملها ، وَيَحْصِي عليها ما تكسب من خير أو شرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : «إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » قال : كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.