اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ} (4)

قوله : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } . قد تقدم في سورة «هود » : التخفيف والتشديد في «لما » ، فمن خففها - هنا - كانت «إنْ » : مخففة من الثقيلة ، و«كل » : مبتدأ ، و«عليها » : خبر مقدم ، و«حافظ » : مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر «كل » ، و«ما » : مزيدة بعد اللام الفارقة ، ويجوز أن يكون «عليها » : هو الخبر وحده ، و«حافظ » : فاعل به ، وهو أحسن ، ويجوز أن يكون «كل » : مبتدأ ، و«حافظ » : خبره ، و«عليها » متعلق به ، و«ما » : مزيدة أيضاً ، هذا كله تفريع على قول البصريين .

وقال الكوفيون : «إنْ » هنا : نافية ، واللام بمعنى «إلاّ » إيجاباً بعد النفي ، و«ما » : مزيدة وتقدم الكلام في هذا مستوفى .

قال الفارسي : ويستعمل «لما » بمعنى : «إلاَّ » في موضعين :

أحدهما : هذا ، والآخر : في باب القسم ، تقول : سألتك لما فعلت .

ورُوِيَ عن الكسائيِّ والأخفش وأبي عبيدة أنهم قالوا : لم نجد «لما » بمعنى : «إلا » في كلام العرب .

وأما قراءة التشديد : ف «إن » نافية ، و«لمَّا » بمعنى : «إلا » وتقدمت شواهد ذلك في سورة «هود »{[59808]} .

وحكى هارون : أنه{[59809]} قرئ «إنَّ » بالتشديد ، «كُلَّ » بالنصب على أنه اسمها ، واللام : هي الدالخة في الخبر ، و«ما » : مزيدة ، و «حافظ » : خبرها .

وعلى كل تقدير ف «إن » وما في خبرها : جواب القسم سواء جعلها مخففة أو نافية .

وقيل : الجواب : { إِنَّهُ على رَجْعِهِ } [ الطارق : 8 ] وما بينهما اعتراض ؛ وفيه بعد .

فصل في المراد بالحافظ{[59810]}

قال قتادةُ : «حافظ » أي : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك ، قال تعالى : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } [ الأنعام : 61 ] ، وقال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 ، 11 ] ، وقال تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } [ الرعد : 11 ] .

وقيل : الحافظ : هو الله تعالى .

وقيل : الحافظ : هو العقل يرشد الإنسان إلى مصالحه ، ويكفّه عن مضارِّه .

قال القرطبي{[59811]} : العقل وغيره وسائط ، والحافظ في الحقيقة هو الله تعالى ، قال الله تعالى : { فالله خَيْرٌ حَافِظاً } [ يوسف : 64 ] ، وقال تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمان } [ الأنبياء : 42 ] وما كان مثله .

قال ابن الخطيب{[59812]} : المعنى : لما كانت كل نفس عليها حافظ ، وجب أن يجتهد كل واحد ، ويشتغل بالمهم ، وأهم الأشياء معرفة المبدأ والمعاد والمبدأ يقدم .


[59808]:آية 111.
[59809]:ينظر: البحر المحيط 8/449، والدر المصون 6/506.
[59810]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/534)، وذكره الماوردي في "تفسيره" (6/246)، وينظر تفسير القرطبي (20/4).
[59811]:الجامع لأحكام القرآن 20/4.
[59812]:ينظر: الفخر الرازي 31/117.