نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ} (4)

ولما ذكر الذي دل به على حفظ القرآن عن التلبيس وعلى حفظ الإنسان ، ذكر جوابه في حفظ النفوس التي جعل فيها قابلية لحفظ القرآن في الصدور ، ودل على حفظ ما خلق لأجلها من هذه الأشياء المقسم بها على حفظ الإنسان لأنها إذا كانت محفوظة عن أدنى زيغ وهي مخلوقة لتدبير{[72608]} مصالحه فما{[72609]} الظن به ؟ فقال مؤكداً غاية التأكيد-{[72610]} لما للكفرة{[72611]} من إنكار ذلك والطعن فيه-{[72612]} { إن } بالتخفيف من الثقيلة في قراءة الجمهور أي-{[72613]} أن الشأن{[72614]} { كل نفس } أي من الأنفس مطلقاً لا سيما نفوس الناس { لما عليها } أي بخصوصها {[72615]}لا مشارك لها في ذاتها{[72616]} { حافظ * } أي رقيب عتيد لا يفارقها ، والمراد به الجنس من الملائكة ، فبعضهم لحفظها من الآفات ، وبعضهم لحفظها من الوساوس{[72617]} ، وبعضهم لحفظ أعمالها وإحصائها بالكتابة ، وبعضهم لحفظ ما كتب لها من رزق وأجل و{[72618]}شقاوة أو{[72619]} سعادة {[72620]}ومشي ؟ ونكاح وسفر وإقامة{[72621]} ، فلا يتعدى شيئاً{[72622]} من ذلك {[72623]}نحن قسمنا نحن قدرنا{[72624]} ، فإن قلت : إن الحافظ الملائكة ، صدقت ، وإن قلت : إنه الله ، صدقت ، لأنه الآمر لهم والمقدر على الحفظ{[72625]} ، والحافظ لهم-{[72626]} من الوهن والزيغ ، فهو الحافظ الحقيقي ، واللام في هذه القراءة هي الفارقة بين المخففة والنافية " وما " مؤكدة بنفي صدر-{[72627]} ما أثبتته الجملة ، " وحافظ " خبر " إن " ويجوز أن يكون الظرف الخبر ، و " حافظ " مرتفع به ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد " لما " على أنها بمعنى " إلا " و " إن " نافية بمعنى " ما " ، والمستثنى منه " كل نفس " وخبر النافية محذوف تقديره : كائنة أو موجودة أو نحوهما-{[72628]} ، والمستثنى " نفس " موصوفة ب " عليها حافظ " ويحتمل أن يكون حالاً فمحله يحتمل الرفع بأنه خبر النافي في-{[72629]} هذا الاستثناء المفرغ عند{[72630]} بني تميم ، والنصب بأنه خبر {[72631]}عند غيرهم{[72632]} ، أو حال من " نفس " ، لأنها عامة ، والتقدير : ما كل نفس موجودة إلا نفس كائناً أو كائن عليها حافظ ، والنسبة بين مفهومي القراءتين{[72633]} أن المشدد أخص لأنها دائمة مطلقة ، والمخففة مطلقة عامة ، ولا يظن أن المشددة غير مساوية للمخففة ، فضلاً عن أن تكون أخص لأن حرف النفي دخل على " كل " وهو من أسوار السلب الجزئي كما تقرر{[72634]} في موضعه فينحل إلى أن بعض النفوس ليس إلا عليها حافظ وإنما-{[72635]} كان لا يظن ذلك لأنها تنحل لما فيها من الحصر المتضمن للنفي والإثبات إلى جملتين ، إحداهما إثبات الحفظ-{[72636]} للنفس{[72637]} الموصوفة والأخرى سلب{[72638]} نقيضه عنها ، لأنه من قصر الموصوف على الصفة .

ونقيض الكلية الموجبة الجزئية السالبة أي ليس كل نفس عليها حافظ-{[72639]} والسالبة الجزئية أعم من السالبة الكلية ، فإذا نفيتها قلت : ليس ليس كل نفس عليها حافظ فهو سلب السلب الجزئي ، وإذا سلب السلب الجزئي سلب الكلي-{[72640]} لما تبين أنه أخف . وإذا{[72641]} انتفى الأعم انتفى الأخص فلا شيء من الأنفس ليس عليها حافظ ، فانحل الكلام إلى : لا نفس كائنة إلا نفس عليها حافظ ، وإن كان لفظ " ليس كل " من أسوار الجزئية لما مضى ، فصارت الآية على قراءة التشديد مركبة من مطلقة عامة هي " كل نفس عليها{[72642]} حافظ " بالفعل .

ومن سلب نقيضها وهو{[72643]} الدائمة المطلقة-{[72644]} الذي هو " دائماً ليس كل نفس عليها حافظ-{[72645]} " ورفعه بأن يقال : ليس دائماً ليس كل نفس ليس عليها حافظ ، أي ليس دائماً كل نفس ليس عليها حافظ ، و{[72646]}ذلك على سبيل الحصر وقصر الموصوف على الصفة ، معناه أن الموصوف لا يتعدى صفته التي قصر عليها ، فأقل الأمور أن لا يتجاوزها إلى عدم الحفظ ، وذلك معنى الدائمة المطلقة وهو الحكم بثبوت المحمول للموضوع ما دام ذات الموضوع موجودة ، وهي على قراءة التخفيف مطلقة عامة أي حكم فيها بثبوت المحمول للموضوع بالفعل وهو الجزء الأول مما{[72647]} انحلت إليه قراءة التشديد ، فمفهوم الآية في قراءة التشديد أخص منه في قراءة التخفيف ، لأن كل دائم كائن بالفعل ، ولا ينعكس - هذا إذا نظرنا إلى نفس المفهوم من اللفظ مع قطع النظر{[72648]} عن الدلالة الخارجية ، وأما بالنظر إلى نفس الأمر فالجهة الدوام فلا فرق ، غير أنه دل عليها باللفظ في قراءة التشديد دون قراءة التخفيف والله تعالى أعلم .

وقال الإمام{[72649]} أبو جعفر ابن الزبير رحمه الله تعالى : لما قال الله سبحانه وتعالى في سورة البروج

{ والله على كل شيء شهيد }[ البروج : 9 ]

{ والله من ورائهم محيط }[ البروج : 20 ] وكان {[72650]}في ذلك{[72651]} تعريف العباد بأنه سبحانه وتعالى {[72652]}لا يغيب عنه{[72653]} شيء ولا يفوته {[72654]}شيء ولا ينجو منه{[72655]} هارب ، أردف ذلك بتفصيل يزيد {[72656]}إيضاح ذلك{[72657]} التعريف الجملي من شهادته سبحانه وتعالى على كل شيء وإحاطته به{[72658]} فقال تعالى { إن كل نفس لما عليها حافظ } [ الطارق : 4 ] فأعلم الله سبحانه وتعالى بخصوص كل نفس ممن يحفظ أنفاسها " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ليعلم العبد أنه ليس بمهمل ولا مضيع ، وهو سبحانه وتعالى{[72659]} الغني عن كتب الحفظة وإحصائهم {[72660]}وشهادة الشهود من الأعضاء وغيرهم ، وإنما كان ذلك لإظهار عدله سبحانه وتعالى

{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة }[ النساء : 40 ] ولا أقل من المثقال{[72661]} ، ولكن هي سنته حتى لا يبقى لأحد حجة ولا تعلق ، وأقسم سبحانه وتعالى على ذلك تحقيقاً وتأكيداً يناسب القصد المذكور - انتهى .


[72608]:من ظ و م، وفي الأصل: لتدير.
[72609]:من ظ و م، وفي الأصل: مما.
[72610]:زيد من م.
[72611]:من ظ و م، وفي الأصل: للفكرة.
[72612]:زيد من م.
[72613]:زيد من م.
[72614]:من م، وفي الأصل و ظ: شأن.
[72615]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72616]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72617]:من ظ و م، وفي الأصل: الوسواس.
[72618]:من ظ و م، وفي الأصل: شقاء.
[72619]:من ظ و م، وفي الأصل: شقاء.
[72620]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72621]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72622]:من م، وفي الأصل و ظ: شيء.
[72623]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72624]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72625]:من ظ و م، وفي الأصل: القط.
[72626]:زيد من ظ و م.
[72627]:زيد من ظ و م.
[72628]:زيد من ظ و م.
[72629]:زيد من ظ و م.
[72630]:من ظ و م، وفي الأصل: عنه.
[72631]:من ظ و م، وفي الأصل: عندهم.
[72632]:من ظ و م، وفي الأصل: عندهم.
[72633]:من ظ، وفي الأصل و م: القرآين.
[72634]:من ظ و م، وفي الأصل: تقدر.
[72635]:زيد من ظ و م.
[72636]:زيد من ظ و م.
[72637]:زيد في الأصل و ظ: المحفوظة، ولم تكن الزيادة في ظ م فحذفناها.
[72638]:من ظ و م، وفي الأصل: سبب.
[72639]:زيد من ظ و م.
[72640]:زيد من ظ و م.
[72641]:من ظ و م، وفي الأصل: لما.
[72642]:تكرر في الأصل فقط.
[72643]:من ظ و م، وفي الأصل: هي.
[72644]:زيد من ظ و م.
[72645]:زيد من ظ و م.
[72646]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72647]:من ظ و م، وفي الأصل: بما.
[72648]:زيد في الأصل و ظ: الكلي، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72649]:في ظ و م: الأستاذ.
[72650]:من م، وفي الأصل و ظ: ذلك.
[72651]:من م، وفي الأصل و ظ: ذلك.
[72652]:من ظ و م، وفي الأصل: لا يخفى عليه.
[72653]:من ظ و م، وفي الأصل: لا يخفى عليه.
[72654]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72655]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72656]:من ظ و م، وفي الأصل: إيضاحا لذلك.
[72657]:من ظ و م، وفي الأصل: إيضاحا لذلك.
[72658]:من ظ و م، وفي الأصل: بكل شيء.
[72659]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72660]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72661]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.