واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه : { إن كل نفس لما عليها حافظ } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : { لما } قراءتان ( إحداهما ) : قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع والكسائي ، وهي بتخفيف الميم ( والثانية ) : قراءة عاصم وحمزة والنخعي بتشديد الميم .
قال أبو علي الفاسي : من خفف كانت { إن } عنده المخففة من الثقيلة ، واللام في { لما } هي التي تدخل مع هذه المخففة لتخلصها من إن النافية ، وما صلة كالتي في قوله : { فبما رحمة من الله } { وعما قليل } وتكون { إن } متلقية للقسم ، كما تتلقاه مثقلة . وأما من ثقل فتكون { إن } عنده النافية ، كالتي في قوله : { فيما إن مكناكم } و{ لما } في معنى ألا ، قال : وتستعمل { لما } بمعنى ألا في موضعين ( أحدهما ) : هذا ( والآخر ) : في باب القسم ، تقول : سألتك بالله لما فعلت ، بمعنى ألا فعلت . وروى عن الأخفش والكسائي وأبي عبيدة أنهم قالوا : لم توجد لما بمعنى ألا في كلام العرب . قال ابن عون : قرأت عند ابن سيرين ( لما ) بالتشديد ، فأنكره وقال : سبحان الله ، سبحان الله ، وزعم العتبي أن { لما } بمعنى ألا ، مع أن الخفيفة التي تكون بمعنى ما موجودة في لغة هذيل .
المسألة الثانية : ليس في الآية بيان أن هذا الحافظ من هو ، وليس فيها أيضا بيان أن الحافظ يحفظ النفس عماذا . أما ( الأول ) : ففيه قولان : ( الأول ) : قول بعض المفسرين : أن ذلك الحافظ هو الله تعالى . أما في التحقيق فلأن كل وجود سوى الله ممكن ، وكل ممكن فإنه لا يترجح وجوده على عدمه إلا لمرجح وينتهي ذلك إلى الواجب لذاته ، فهو سبحانه القيوم الذي بحفظه وإبقائه تبقى الموجودات ، ثم إنه تعالى بين هذا المعنى في السموات والأرض على العموم في قوله : { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } وبينه في هذه الآية في حق الإنسان على الخصوص وحقيقة الكلام ترجع إلى أنه تعالى أقسم أن كل ما سواه ، فإنه ممكن الوجود محدث محتاج مخلوق مربوب هذا إذا حملنا النفس على مطلق الذات ، أما إذا حملناها على النفس المتنفسة وهي النفس الحيوانية أمكن أن يكون المراد من كونه تعالى حافظا لها كونه تعالى عالما بأحوالها وموصلا إليها جميع منافعها ودافعا عنها جميع مضارها .
والقول الثاني : أن ذلك الحافظ هم الملائكة كما قال : { ويرسل عليكم حفظة } وقال : { عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وقال : { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين } وقال : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } .
وأما البحث الثاني : وهو أنه ما الذي يحفظه هذا الحافظ ؟ ففيه وجوه ( أحدها ) : أن هؤلاء الحفظة يكتبون عليه أعماله دقيقها وجليلها حتى تخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( وثانيها ) : { إن كل نفس لما عليها حافظ } يحفظ عملها ورزقها وأجلها ، فإذا استوفى الإنسان أجله ورزقه قبضه إلى ربه ، وحاصله يرجع إلى وعيد الكفار وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : { فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا } ثم ينصرفون عن قريب إلى الآخرة فيجازون بما يستحقونه ( وثالثها ) : إن كل نفس لما عليها حافظ ، يحفظها من المعاطب والمهالك فلا يصيبها إلا ما قدر الله عليها ( ورابعها ) قال الفراء : إن كل نفس لما عليها حافظ يحفظها حتى يسلمها إلى المقابر ، وهذا قول الكلبي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.