تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { إن كل نفس لما عليها حافظ } اختلف في قوله : { إن } قال بعضهم : أريد به ههنا : ما ، وقوله : { لما } صلة في الكلام ؛ فمعناه [ في وجهين :

أحدهما : ]{[23456]} ما من نفس عليها حافظ ، وإنما الحافظ على بعض دون بعض .

والثاني : أن يكون الحافظ على بعض ما في النفس دون بعض ؛ وذلك البعض هو الذي يظهره . فأما الذي يخفيه فإنه لا يشهده كاتباه .

ومنهم من حمل قوله تعالى : { لما } على الاستثناء ، فقال : معناه ما من نفس إلا عليها حافظ .

قال الزجاج : حرف { لما } استعمل في موضع الاستثناء ، يقال : أقسمت عليك لما فعلت كذا ، أي إلا فعلت كذا .

فإذا كان معناه ما ذكروا ففيه إلزام التيقظ والتبصر ، والنفس من طبعها إذا سلط عليها من يراقبها ، ويحفظها ، احتشمت [ من ]{[23457]} مراقبها ، وخافته ، وتكون متيقظة ، ولا ترتكب من الأمور إلا ما يعلم أنه لا تلحقه التبعة من الحفاظ .

[ والمرء يسلط ]{[23458]} عليه الملكان أيضا ليكون متيقظا في كل قول وفعل ، فلا يقبل إلا إلى ما فيه نفع العاجل والآجل .

وسمى الله تعالى الملكين { كراما كاتبين } [ الانفطار : 11 ] ومن صحب المكرم من الخلائق احتشم منه ، وتوقى عن إتيان ما يستحيى من مثله . ومن أراد أن يكتب إلى أحد كتابا ، لم يثبت في كتابه شيئا ، يؤخذ عليه ، ويذم به ، بل يحكم الأمر ، ويصلحه غاية ما يحتمله الوسع ، فكان في ذكر الحافظ على الأنفس إلزام التيقظ والتبصر من الوجه الذي ذكرنا .

وقوله تعالى : { حافظ } قال بعضهم : يحفظ عليها رزقها حتى تستوفي به . فإن كان على هذا فالحفظ يكون لها لا عليها . قال بعضهم : يحفظ عليها أعمالها خيرها وشرها .


[23456]:ساقطة من الأصل وم.
[23457]:في الأصل وم: عليه المكان أيضا.
[23458]:في الأصل وم: فسلط.