في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

ثم تبدأ القصة . ويبدأ التحدي وتنكشف يد القدرة تعمل سافرة بلا ستار :

لقد ولد موسى في ظل تلك الأوضاع القاسية التي رسمها قبل البدء في القصة ؛ ولد والخطر محدق به ، والموت يتلفت عليه ، والشفرة مشرعة على عنقه ، تهم أن تحتز رأسه . .

وها هي ذي أمه حائرة به ، خائفة عليه ، تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين ، وترجف أن تتناول عنقه السكين ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة ، عاجزة عن حمايته ، عاجزة عن إخفائه ، عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه ؛ عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة . . ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة .

هنا تتدخل يد القدرة ، فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة ، وتلقي في روعها كيف تعمل ، وتوحي إليها بالتصرف :

( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ، ولا تخافي ولا تحزني ) . .

يا لله ! يا للقدرة ! يا أم موسى أرضعيه . فإذا خفت عليه وهو في حضنك . وهو في رعايتك . إذا خفت عليه وفي فمه ثديك ، وهو تحت عينيك . إذا خفت عليه ( فألقيه في اليم ) ! !

( ولا تخافي ولا تحزني )إنه هنا . . في اليم . . في رعاية اليد التي لا أمن إلا في جوارها ، اليد التي لا خوف معها . اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها . اليد التي تجعل النار بردا وسلاما ، وتجعل البحر ملجأ ومناما . اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب .

( إنا رادوه إليك ) . . فلا خوف على حياته ولا حزن على بعده . . ( وجاعلوه من المرسلين ) . . وتلك بشارة الغد ، ووعد الله أصدق القائلين .

هذا هو المشهد الأول في القصة . مشهد الأم الحائرة الخائفة القلقة الملهوفة تتلقى الإيحاء المطمئن المبشر المثبت المريح . وينزل هذا الإيحاء على القلب الواجف المحرور بردا وسلاما . ولا يذكر السياق كيف تلقته أم موسى ، ولا كيف نفذته . إنما يسدل الستار عليها ، ليرفعه فإذا نحن أمام المشهد الثاني :