فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

{ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين7 }

ألهم الله تعالى أم موسى إذا وضعته أن ترضعه ، فإذا خشيت عليه من هلاك يتهدده فلتقذف به في النهر- نهر النيل- ولا تخافي عليه البحر ولا تحزني لفراقه إنا سنعيده إليك عما قليل ، وبعد حين نجعله رسولا ، وفعل الله ذلك بها وبه عليه السلام .

أورد الطبري أقوالا في وقت إلقائه ، وهل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادتها إياه ثم إرضاعه ؟ أم كان بعد مدة انقضت بين ولادته وبين صنع الصندوق قد تكون أربعة أشهر ، ثم قال : وأولى قول- قيل في ذلك- بالصواب أن يقال : إن الله- تعالى ذكره- أمر أم موسى أن ترضعه فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم ، فجائز أن تكون خافتهم عليه بعد ولادتها وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادتها إياه ، وأي ذلك كان فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه ، ولا خبر قامت به حجة ، ولا في فطرة العقل بيان أي ذلك كان من أي ، فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه . . اه .

يقول اللغويون : جمع الله تعالى في هذه الآية بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين . . .

جاء في[ الجامع لأحكام القرآن ] : واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى ، فقالت فرقة : كان قولا في منامها ، وقال قتادة : كان إلهاما ، وقالت فرقة : كان بملك . . وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية . . . قال مجاهد : وكان الوحي بالرضاع قبل الولادة ، وقال غيره : بعدها اه .

وسبحان القوي القادر الذي لا يعجزه شيء ولا يفوت مراده ، أرأيت إلى إنجاء طفل رضيع رهين صندوق ملقى في نهر جار ؟ ! فاعتبروا يا أولي الأبصار ! : )إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى . أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني( {[3004]} .

وإنها لذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، أن تأتي البشرى بأنعم الله على موسى وأمه ، وعلى المصريين والإسرائيليين بأن ربنا أراد أن يعز المستذلين ويسود المستعبدين ، ويهلك الظالمين ، وأن تقرن البشرى بمجيء موسى الذي يتحقق ببعثه مراد الله في إزهاق الباطل وتدمير المبطلين .

وليستبشر أهل الحق إلى يوم الدين ، فإن سنة مولانا البر الرحيم تمضي في الآخرين كما مضت في الأولين : ) . . . ولا تجد لسنتنا تحويلا( {[3005]} .


[3004]:سورة طه. الآيتان:38، 39.
[3005]:سورة الإسراء. من الآية 77.