النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (7)

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة ، قاله ابن عباس وقتادة .

الثاني : أنه كان رؤيا منام ، حكاه ابن عيسى .

الثالث : أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين ، حكاه قطرب .

{ أَنْ أَرْضِعِيه } قال مجاهد : كان الوحي بالرضاع قبل الولادة ، وقال غيره بعدها .

{ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل .

{ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ } واليم : البحر وهو النيل .

{ وَلاَ تَخافِي } فيه وجهان :

أحدهما : لا تخافي عليه الغرق ، قاله ابن زيد .

الثاني : لا تخافي عليه الضيعة ، قاله يحيى بن سلام .

{ وَلاَ تَحْزَنِي } فيه وجهان :

أحدهما : لا تحزني على فراقه ، قاله ابن زيد .

الثاني : لا تحزني أن يقتل ، قال يحيى بن سلام .

فقيل : إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي . وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون .

قال ابن عباس : فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه ، فقال الله : { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ . . . } الآية ، حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد :

استغفر الله لذنبي كله *** قبّلت إنساناً بغير حلّه

مثل الغزال ناعماً في دَلّه *** فانتصف الليل ولم أُصلّه

فقلت : قاتلك الله ما أفصحك ! فقالت : أوَ يعدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ . . . } الآية ، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين .