في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (178)

121

( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم . إنما نملي لهم ليزدادوا إثما . ولهم عذاب مهين ) . .

وفي هذه الآية يصل السياق إلى العقدة التي تحيك في بعض الصدور ، والشبهة التي تجول في بعض القلوب ، والعتاب الذي تجيش به بعض الأرواح ، وهي ترى أعداء الله وأعداء الحق ، متروكين لا يأخذهم العذاب ، ممتعين في ظاهر الأمر ، بالقوة والسلطة والمال والجاه ! مما يوقع الفتنة في قلوبهم وفي قلوب الناس من حولهم ؛ ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ؛ يحسبون أن الله - حاشاه - يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان ، فيملي له ويرخي له العنان ! أو يحسبون أن الله - سبحانه - لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل ، فيدع للباطل أن يحطم الحق ، ولا يتدخل لنصرته ! أو يحسبون أن هذا الباطل حق ، وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب ؟ ! أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض ، وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر ! ثم . . يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين ، يلجون في عتوهم ، ويسارعون في كفرهم ، ويلجون في طغيانهم ، ويظنون أن الأمر قد استقام لهم ، وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم ! ! !

وهذا كله وهم باطل ، وظن بالله غير الحق ، والأمر ليس كذلك . وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن . . إنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه ، وإذا كان يعطيهم حظا في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه . . إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء ، فإنما هي الفتنة ؛ وإنما هو الكيد المتين ، وإنما هو الاستدراج البعيد :

( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم . . إنما نملي لهم ليزدادوا إثما )

ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة ، بالابتلاء الموقظ ، لابتلاهم . . ولكنه لا يريد بهم خيرا ، وقد اشتروا الكفر بالإيمان ، وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه ! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة - غمرة النعمة والسلطان - بالابتلاء !

( ولهم عذاب مهين ) . .

والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء .

/خ179