تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }

يقول تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : جمعوا بين الإيمان ، والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة ، المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح ، على وجه الإخلاص والمتابعة .

{ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي : بسبب ما معهم من الإيمان ، يثيبهم الله أعظم الثواب ، وهو الهداية ، فيعلمهم ما ينفعهم ، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية ، ويهديهم للنظر في آياته ، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم ، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم ، ولهذا قال : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ } الجارية على الدوام { فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } أضافها الله إلى النعيم ، لاشتمالها على النعيم التام ، نعيم القلب بالفرح والسرور ، والبهجة والحبور ، ورؤية الرحمن وسماع كلامه ، والاغتباط برضاه وقربه ، ولقاء الأحبة والإخوان ، والتمتع بالاجتماع بهم ، وسماع الأصوات المطربات ، والنغمات المشجيات ، والمناظر المفرحات . ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب ، والمناكح ونحو ذلك ، مما لا تعلمه النفوس ، ولا خطر ببال أحد ، أو قدر أن يصفه الواصفون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

وقوله تعالى :{ إن الذين آمنوا } . الآية لما قرر تبارك وتعالى حالة الفرقة الهالكة عقب ذلك بذكر حالة الفرقة الناجية ليتضح الطريقان ويرى الناظر فرق ما بين الهدى والضلال ، وهذا كله لطف منه بعباده ، وقوله { يهديهم } لا يترتب أن يكون معناه يرشدهم إلى الإيمان لأنه قد قررهم مؤمنين فإنما الهدى في هذه الآية على أحد وجهين : إما أن يريد أنه يديمهم ويثبتهم ، كما قال :{ يا أيها الذين آمنوا آمنوا }{[6027]} فإنما معناه اثبتوا ، وإما أن يريد يرشدهم إلى طرق الجنان في الآخرة ، وقوله : { بإيمانهم } يحتمل أن يريد بسبب إيمانهم ويكون مقابلاً لقوله قبل { مأواهم النار بما كانوا يكسبون } ، ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى ، أي يهديهم إلى طرق الجنة بنور إيمانهم ، قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نوراً يمشون به ويتركب هذا التأويل على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العبد المؤمن إذا قام من قبره للحشر تمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت ؟ فيقول أنا عملك الصالح فيقوده إلى الجنة{[6028]} ، وبعكس هذا في الكافر » ، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره وقوله { تجري من تحتهم الأنهار } يريد من تحت علياتهم وغرفهم وليس التحت الذي هو بالمما سة بل يكون إلى الناحية من الإنسان كما قال تعالى : { جعل ربك تحتك سرياً }{[6029]} وكما قال حكاية عن فرعون { وهذه الأنهار تجري من تحتي }{[6030]} .


[6027]:- من الآية (136) من سورة (النساء)
[6028]:-أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: حدثنا الحسن قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن إذا خرج من قبره صُوّر له عمله في صورة حسنة وريح طيبة، فيقول له: ما أنت؟ فوالله إني لأراك عين امرئ صدق، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة، وأما الكافر فإذا خرج من قبره صُوّر له عمله في سورة سيئة وريح منتنة، فيقول له: ما أنت؟ فوالله إني لأراك عين امرئ سوء، فيقول: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار). (الدر المنثور).
[6029]:- من الآية (24) من سورة (مريم)
[6030]:- من الآية (51) من سورة (الزخرف).