تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

{ 11 } { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

وهذا من لطفه وإحسانه بعباده ، أنه لو عجل لهم الشر إذا أتوا بأسبابه ، وبادرهم بالعقوبة على ذلك ، كما يعجل لهم الخير إذا أتوا بأسبابه { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أي : لمحقتهم العقوبة ، ولكنه تعالى يمهلهم ولا يهملهم ، ويعفو عن كثير من حقوقه ، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة .

ويدخل في هذا ، أن العبد إذا غضب على أولاده أو أهله أو ماله ، ربما دعا عليهم دعوة لو قبلت منه لهلكوا ، ولأضره ذلك غاية الضرر ، ولكنه تعالى حليم حكيم .

وقوله : { فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } أي : لا يؤمنون بالآخرة ، فلذلك لا يستعدون لها ، ولا يعلمون ما ينجيهم من عذاب الله ، { فِي طُغْيَانِهِمْ } أي : باطلهم ، الذي جاوزوا به الحق والحد .

{ يَعْمَهُونَ } يترددون حائرين ، لا يهتدون السبيل ، ولا يوفقون لأقوم دليل ، وذلك عقوبة لهم {[392]} ، على ظلمهم ، وكفرهم بآيات الله .


[392]:- كذا في ب، وفي أ: عقوبة منه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

هذه الآية قال مجاهد نزلت في دعاء الرجل على نفسه أو ماله أو ولده ونحو هذا ، فأخبر الله تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر ، تقديرها ولا يفعل ذلك ولكن يذر الذين لا يرجون فاقتضب القول وتوصّل إلى هذا المعنى بقوله { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا } فتأمل هذا التقدير تجده صحيحاً ، و { استعجالهم } نصب على المصدر ، والتقدير مثل استعجالهم ، وقيل : التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم ، وهذا قريب من الأول ، وقيل إن هذه الآية نزلت في قوله { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء }{[6035]} وقيل نزلت في قوله { آتنا بما تعدنا }{[6036]} وما جرى مجراه ، وقرأ جمهور القراء «لقُضي » على بناء الفعل للفاعل ورفع «الأجلُ » وقرأ ابن عامر وحده{[6037]} وعوف وعيسى بن عمر ويعقوب ، «لقضى » على بناء الفعل للفاعل ونصب «الأجلَ » ، وقرأ الأعمش : «لقضينا » ، و «الأجل » في هذا الموضع أجل الموت ، ومعنى قضى في هذه الآية أكمل وفرغ ، ومنه قول أبي ذؤيب : [ الكامل ]

وعليهما مسرودتان قضاهما*** داودُ أوْ صَنَعُ السوابغِ تبع{[6038]}

وأنشد أبو علي في هذا المعنى : [ الطويل ]

قضيت أموراً ثم غادرت بعدها*** فوائح في أكمامها لم تفتق{[6039]}

وتعدّى «قضى » في هذه الآية ب «إلى » لما كان بمعنى فرغ ، وفرغ يتعدى بإلى ويتعدى باللام ، فمن ذلك قول جرير :

ألانَ فقد فرغت إلى نُمَير*** فصرت على جماعتها عذابا{[6040]}

ومن الآخر قوله عز وجل { سنفرغ لكم أيه الثقلان }{[6041]} وقرأ الأعمش{[6042]} : «فنذر الذين لا يرجون لقاءنا » ، و { يرجون } في هذا الموضع على بابها والمراد الذين لا يؤمنون بالبعث فهم لا يرجون لقاء الله ، والرجاء مقترن أبداً بخوف ، «والطغيان » الغلو في الأمر وتجاوز الحد ، و «العمه » الخبط في ضلال ، فهذه الآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في الناس ، يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة فيحملهم أحياناً سوء الخلق على الدعاء في الشر ، فلو عجل لهم لهلكوا .


[6035]:- من الآية (32) من سورة (الأنفال).
[6036]:- من الآية (77) من سورة (الأعراف)، وهي قوله سبحانه: {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا}.
[6037]:- يعني من بين القراء السبعة، وإلا فقد قرأ بها معه عوف وغيره ممن ذكرهم ابن عطية.
[6038]:-هذا البيت من عينية أبي ذؤيب المشهورة التي قالها في الرثاء، ومطلعها: "أمن المنون وريبه تتوجع"، وقوله: "مسرودتان": رواية المفضل الضبي في "المفضليات"، والمسرودة: الدرع التي سمرت حلقاتها، والسّرد: الحلق، وقوله تعالى: {وقدر في السرد} معناه أن يجعل المسمار على قدر الثقب بحيث لا يكون الثقب واسعا فيتقلقل المسمار، ولا يكون الثقب دقيقا والمسمار غليظا فينقصم الحلق. ورواية جمهرة أشعار العرب: "وعليهما ماذيتان" أي: درعان من الحديد لينتان سهلتان. ومعنى" قضاهما": أحكمهما وأكملهما وفرغ منهما، ورجل صنع: ماهر في الصناعة، وتبّع: من ملوك اليمن، قيل: كان يجيد صناعة الدروع، أو يأمر بصنعها محكمة، وداود عليه السلام اشتهر أيضا بصنع الدروع، قال تعالى: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم} و(صنع) مضافة إلى (السوابغ)، وروي بالفعل الماضي في صنع، (والسوابغ) مفعول به.
[6039]:- ويروى (حوائج) بدلا من (فوائح)، وقضى هنا بمعنى انتهى منها وأكملها، وكم كل نور وعاؤه، والتفتق: التفتح ويترتب عليه انتشار الرائحة الطيبة. ولم نقف على قائله.
[6040]:- البيت غير موجود في ديوانه (دار المعارف بمصر- تحقيق نعمان محمد أمين د.) وأقرب الظن أن يكون من قصيدته المشهورة التي قالها في هجاء الراعي النميري، ومطلعها: أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا ومنها البيت المشهور الذي قال النقاد عنه إنه أهجى بيت قالته العرب: فغضّ الطرف إنك من نُمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
[6041]:- الآية (31) من سورة (الرحمن).
[6042]:- يفهم من كلام الزمخشري أن هذه القراءة بالنصب [فنذر] حيث قال: "فإن قلت: فكيف اتصل به قوله: {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا}؟ وما معناه؟ قلت: قوله: {ولو يُعجل} متضمن نفي التعجيل، كأنه قيل: ولا نعجل لهم الشرّ ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم".