تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (80)

يذكر تعالى عباده نعمه ، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } ، في الدور والقصور ونحوها ، تكنُّكم من الحر والبرد ، وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم ، وتتخذون فيها الغرف{[463]}  والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم ، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم ، وغير ذلك من الفوائد المشاهدة ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ } ، إما من الجلد نفسه ، أو مما نبت عليه ، من صوف وشعر ووبر . { بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا } ، أي : خفيفة الحمل ، تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها ، فتقيكم من الحر والبرد والمطر ، وتقي متاعكم من المطر ، { و } جعل لكم ، { وَمِنْ أَصْوَافِهَا } أي : الأنعام ، { وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا } ، وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الآنية والأوعية والفرش والألبسة والأجلة ، وغير ذلك .

{ وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } ، أي : تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها ، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله .


[463]:- في الأصل: البيوت والغرف والبيوت.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (80)

هذه آية تعديد نعمة الله على الناس في البيوت ، فذكر أولاً بيوت التمدن : وهي التي للإقامة الطويلة ، وهي أعظم بيوت الإنسان ، وإن كان الوصف ب { سكناً } يعم جميع البيوت ، والسكن مصدر يوصف به الواحد ، ومعناه : يسكن فيها وإليها . ثم ذكر تعالى بيوت النقلة والرحلة ، وقوله : { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً } ، يحتمل أن يعم به بيوت الأدم وبيوت الشعر وبيوت الصوف ؛ لأن هذه هي من الجلود ، لكونها نابتة فيها ، نحا إلى ذلك ابن سلام ، ويكون قوله : { ومن أصوافها } ، عطفاً على قوله : { من جلود الأنعام } ، أي : جعل بيوتاً أيضاً ، ويكون قوله : { أثاثاً } ، نصباً على الحال ، و { تستخفونها } ، أي : تجدونها خفافاً . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : «ظعَنكم » ، بفتح العين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي : «ظعْنكم » ، بسكون العين ، وهما لغتان ، وليس بتخفيف ، و «ظعن » ، معناه : رحل . والأصواف للغنم ، والأوبار للإبل ، والأشعار للمعز والبقر ، ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان ؛ فلذلك اقتصر على هذه ، ويحتمل أن ترك ذلك القطن والحرير والكتان إعراضاً ، والكتان في لفظ السرابيل ، والأثاث : متاع البيت ، واحدتها أثاثة ، هذا قول أبي زيد الأنصاري ، وقال غيره : الأثاث : جميع أنواع المال ، ولا واحد له من لفظه .

قال القاضي أبو محمد : والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعم ؛ لأن حال الإنسان تكون بالمال أثيثة ، تقول : شعر أثيث ، ونبات أثيث : إذا كثر والتف ، وقوله : { إلى حين } ، يريد به وقتاً غير معين ، وهو بحسب كل إنسان ، إما بموته ، وإما بفقد تلك الأشياء التي هي أثاث ، ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ]

أهاجتك الظعائن يوم بانوا . . . بذي الزيّ الجميل من الأثاث{[7390]}


[7390]:البيت لمحمد بن نمير الثقفي، وله قصة مع الحجاج؛ لأنه كان يشبب بزينب أخت الحجاج، فتوعده فهرب منه (ارجع إلى الكامل للمبرد)، ويروى: "أشاقتك". . . بدلا من أهاجتك، و "بذي الرئي" . . . بدلا من "بذي الزي"، قال في (اللسان ـ رأى): "هو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة، وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي: أشاقتك الظعائن يوم بانــــــــــــــوا بذي الرئي الجميل من الأثاث؟ والظعائن: جمع ظعينة، وهي الراحلة يرتحل عليهان أو الهودج، أو الزوجة. ولعله المراد هنا، وبانوا: سافروا وبعدوا.