تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر فقال :

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

واعلم أن النفاق هو : إظهار الخير وإبطان الشر ، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي ، والنفاق العملي ، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " آية المنافق ثلات : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " وفي رواية : " وإذا خاصم فجر "

وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام ، فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [ من مكة ] إلى المدينة ، وبعد أن هاجر ، فلما كانت وقعة " بدر " {[37]}  وأظهر الله المؤمنين وأعزهم{[38]} ، ذل  من في المدينة ممن لم يسلم ، فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة ، ولتحقن دماؤهم ، وتسلم أموالهم ، فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم ، وفي الحقيقة ليسوا منهم .

فمن لطف الله بالمؤمنين ، أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها ، لئلا يغتر بهم المؤمنون ، ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [ قال تعالى ] : { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ } فوصفهم الله بأصل النفاق فقال : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فأكذبهم الله بقوله : { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } لأن الإيمان الحقيقي ، ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين .


[37]:- في ب: ولا بعد الهجرة حتى كانت وقعة بدر.
[38]:- في ب: فذل.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( 8 )

كان أصل النون أن تكسر لالتقاء الساكنين ، لكنها تفتح مع الألف واللام . ومن قال : استثقلت كسرتان تتوالى في كلمة على حرفين فمعترض بقولهم من ابنك ومن اسمك وما أشبهه .

واختلف النحويون في لفظ { الناس } فقال قوم : «هي من نسي فأصل ناس نسي قلب فجاء نيس تحركت الياء وانفتح ، ما قبلها فانقلبت ألفاً فقيل ناس ، ثم دخلت الألف واللام » .

وقال آخرون : ناس اسم من أسماء الجموع دون هذا التعليل ، دخلت عليه الألف واللام .

وقال آخرون : «أصل ناس أناس دخلت الألف واللام فجاء الأناس ، حذفت الهمزة فجاء الناس أدغمت اللام في النون لقرب المخارج » . وهذه الآية نزلت في المنافقين . ( {[209]} )

وقوله تعالى : { من يقول آمنا بالله } رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ { من } ومعناها ، وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة ، ولا يجوز ان يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحيد ، لو قلت ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز .

وسمى الله تعالى يوم القيامة { اليوم الآخر } لأنه لا ليل بعده ، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل ، ثم نفى تعالى الإيمان عن المنافقين ، وفي ذلك رد على الكرامية( {[210]} ) في قولهم إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب .


[209]:- بدأ سبحانه سورة البقرة بذكر المؤمنين، وبيان صفاتهم لفضلهم وشرفهم، ثم أتبعهم بذكر الكافرين لأن الكفر ضد الإيمان، وضد الشيء أقرب خطورا بالبال، وأخر ذكر المنافقين لأنهم جمعوا بين الإيمان ظاهرا والكفر باطنا، ولما كان المنافقون يشتبهون على الناس في أمرهم، لتلونهم، وكثرة صفات نفاقهم، أطنب سبحانه في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق، كما أنزل فيهم سورة (براءة) وسورة (المنافقون)، وذكر منهم في سورة (النور)، والغرض من ذلك تنبيه المؤمنين ليحترزوا من مكايدهم، وليجنبوا صفاتهم- والنفاق وهو من الألفاظ الإسلامية نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، والمراد هنا الأول.
[210]:- بفتح الكاف وتشديد الراء نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرّام السجستاني- وقولهم هذا استندوا فيه إلى قوله تعالى: [فأثابهم الله بما قالوا] وإلى قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وهذا منهم جمود، وترك للنظر فيما نطق به الكتاب والسنة، من اعتبار العمل مع القول والاعتقاد، وما أكثر ذلك، نسأل الله الهداية والتوفيق.