تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

187 - 188 يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : يَسْأَلُونَكَ أي : المكذبون لك ، المتعنتون عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا أي : متى وقتها الذي تجيء به ، ومتى تحل بالخلق ؟

قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي أي : إنه تعالى مختص بعلمها ، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ أي : لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو .

ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أي : خفي علمها على أهل السماوات والأرض ، واشتد أمرها أيضا عليهم ، فهم من الساعة مشفقون .

لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً أي : فجأة من حيث لا تشعرون ، لم يستعدوا لها ، ولم يتهيأوا لقيامها .

يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا أي : هم حريصون على سؤالك عن الساعة ، كأنك مستحف عن السؤال عنها ، ولم يعلموا أنك - لكمال علمك بربك ، وما ينفع السؤال عنه - غير مبال بالسؤال عنها ، ولا حريص على ذلك ، فلم لا يقتدون بك ، ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه ، فإنه لا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب .

وهي من الأمور التي أخفاها الله عن الخلق ، لكمال حكمته وسعة علمه .

قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه ، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم ، ويدعون ما يجب عليهم من العلم ، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه ، ولا هم مطالبون بعلمه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

وقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة } الآية ، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش ، وذلك أن قريشاً قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة ، قال ابن عباس : المراد بالآية اليهود ، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبياً فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك ، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حياً وبعث الجميع ، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة ، و { أيان } معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت ، وقرأ جمهور الناس «أيان » بفتح الهمزة ، وقرأ السلمي «إيان » بكسر الهمزة ، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح ، وقال الشاعر : [ الرجز ]

أيان يقضي حاجتي أيانا*** أما ترى لفعلها إبانا

قال أبو الفتح وزن «أيان » بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان ، والنون فيهما زائدة ، و { مرساها } رفع بالابتداء والخبر ، { أيان } ومذهب المبرد أن { مرساها } مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها ، مأخوذة من أرسى يرسي ، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه ، و { يجليها } معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله : [ الوافر ] .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . يمين أو نفار أو جلاء

وقوله : { ثقلت في السماوات والأرض } قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل : معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها ، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض ، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا ، وقال قتادة وابن جريج : معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال ، ثم أخبر تعالى خبراً يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس ، و { بغتة } مصدر في موضع الحال .

وقوله تعالى : { يسألونك كأنك حفيّ عنها } الآية ، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد : المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل ، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا ، وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن زيد : معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها ، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم «كأنك حفي بها » ، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه ، وقد يجيء { حفي } وصفاً للسؤال ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فلمّا التقينا بَّين السيف بيننا*** لسائلة عنا حفي سؤالها

ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه { حفي } وصفاً لسائل قول الآخر : [ الطويل ]

سؤال حفي عن أخي كأنه*** بُذكرته وْسنان أو متواسن

ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيداً للأمر وتهمماً به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث } ، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها ، وقوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } قال الطبري : معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر .