تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه ، وإنما الذي يقرب منه زلفى ، الإيمان بما جاء به المرسلون ، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان ، فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، لا يعلمها إلا اللّه ، { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي : في المنازل العاليات المرتفعات جدا ، ساكنين فيها مطمئنين ، آمنون من المكدرات والمنغصات ، لما هم فيه من اللذات ، وأنواع المشتهيات ، وآمنون من الخروج منها والحزن فيها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

قوله تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } أي : قربى ، قال الأخفش : قربى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً ، { إلا من آمن } يعني : لكن من آمن ، { وعمل صالحاً } قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ، { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } أي : يضعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : جزاء منصوباً منوناً الضعف رفع ، تقديره : لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ، { وهم في الغرفات آمنون } قرأ حمزة : في الغرفة على واحدة ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : { لنبوئنهم من الجنة غرفا } .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ثم قال تأكيدا : " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " قال مجاهد : أي قربى . والزلفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع " قربى " نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا . وزعم الفراء أن التي " تكون للأموال والأولاد جميعا . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه . وأنشد الفراء :

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأيُ مختلف

ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ؛ للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا . " إلا من آمن وعمل صالحا " قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عدنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا " .

قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ، فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذا في " آل عمران ومريم والفرقان " {[13057]} . و " من " في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في " تقربكم " . النحاس : وهذا القول غلط ؛ لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء . إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قول يؤول إل ذلك ، وزعم أن مثله " إلا من أتى الله بقلب سليم " {[13058]} يكون منصوبا عنده ب " ينفع " . وأجاز الفراء أن يكون " من " في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من أمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه . " فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا " يعني قوله : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " {[13059]} [ الأنعام : 160 ] فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة .

وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . قراءة العامة " جزاء الضعف " بالإضافة . وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم " جزاء " منونا منصوبا " الضعف " رفعا ، أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . " وجزاء الضعف " على أن يجازوا الضعف . و " جزاء الضعف " مرفوعان ، الضعف بدل من جزاء . وقرأ الجمهور " في الغرفات " على الجمع ، وهو اختيار أبى عبيد ؛ لقوله : " لنبوئنهم من الجنة غرفا " {[13060]} [ العنكبوت : 58 ] . الزمخشري : وقرئ " في الغرفات " بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف " في الغرفة " على التوحيد ؛ لقوله تعالى : " أولئك يجزون الغرفة " {[13061]} [ الفرقان : 75 ] . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك{[13062]} . " آمنون " أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان .


[13057]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13058]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13059]:راجع 7 ص 150.
[13060]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13061]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13062]:راجع ج 8 ص 204 و ج 13 ص 83 و 359.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ولما هدم ما بالذات ، أتبعه ما بالثمرات ، فقال مؤكداً تكذيباً لدعواهم : { وما أموالكم } أي أيها الخلق الذين{[56972]} أنتم من جملتهم وإن كثرت ، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على{[56973]} حياله فقال : { ولا أولادكم } كذلك ، وأثبت الجار تاكيداً للنفي فقال واصفاً الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث : { بالتي } أي بالأموال والأولاد التي { تقربكم عندنا } أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي { زلفى } أي درجة علية وقربة مكينة قال البغوي{[56974]} : قال الأخفش : هي{[56975]} اسم مصدر كأنه قال : تقريباً ، ثم استثنى من ضمير الجمع الذي هو قائم مقام أحد ، فكأنه قيل : لا تقرب أحداً{[56976]} { إلا من } أو يكون المعنى على حذف مضاف ، أي {[56977]}إلا أموال وأولاد{[56978]} من { آمن } أي منكم { وعمل } تصديقاً لإيمانه على ذلك الأساس { صالحاً } أي في ماله بإنفاقه في سبيل الله وفي ولده بتعليمه الخير .

ولما منّ على المصلحين من المؤمنين في أموالهم وأولادهم بأن جعلها{[56979]} سبباً لمزيد قربهم ، دل على ذلك بالفاء في قوله : { فأولئك } أي العالو الرتبة { لهم{[56980]} جزاء الضعف } أي بأن{[56981]} يأخذوا جزاءهم مضاعفاً في نفسه من عشرة أمثال إلى ما لا نهاية له ، ومضاعفاً بالنسبة إلى جزاء من تقدمهم من الأمم ، والضعف : الزيادة { بما عملوا } فإن أعمالهم ثابتة محفوظة بأساس الإيمان { وهم في الغرفات } أي العلالي المبنية فوق البيوت{[56982]} في الجنان{[56983]} ، زيادة على ذلك { آمنون * } أي ثابت أمنهم دائماً ، لا خوف عليهم من شيء من الأشياء أصلاً ، وأما غيرهم وهم المرادون بما بعده فأموالهم وأولادهم وبال عليهم .


[56972]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الذي.
[56973]:سقط من ظ.
[56974]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 5/240.
[56975]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وهو، وفي المعالم: قربى.
[56976]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أحد.
[56977]:من مد، وفي الأصل وظ وم: الأموال والأولاد.
[56978]:من مد، وفي الأصل وظ وم: الأموال والأولاد.
[56979]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يجعلها.
[56980]:سقط من ظ.
[56981]:في ظ ومد: أن.
[56982]:من م ومد، وفي الأصل وظ: البيت.
[56983]:في ظ وم ومد: الجنات.