تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا } إعجابا منه بفصاحتها{[592]} ونصحها وحسن تعبيرها . وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأدب الكامل ، والتعجب في موضعه وأن لا يبلغ بهم الضحك إلا إلى التبسم ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم ، فإن القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الأدب . وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه ، يدل على شراسة الخلق والجبروت . والرسل منزهون عن ذلك .

وقال شاكرا لله الذي أوصله إلى هذه الحال : { رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي : ألهمني ووفقني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ } فإن النعمة على الوالدين نعمة على الولد . فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه ، { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه لكونه موافقا لأمرك مخلصا فيه سالما من المفسدات والمنقصات ، { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ } التي منها الجنة { فِي } جملة { عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } فإن الرحمة مجعولة للصالحين على اختلاف درجاتهم ومنازلهم .

فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان عند سماعه خطاب النملة ونداءها .


[592]:- في ب: بنصح أمتها.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

{ فتبسم ضاحكا من قولها } تعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها ، وسرورا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم غرضها ولذلك سأل توفيق شكره . { وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك } أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي ، أي أكفه وأرتبطه لا ينفلت عني بحيث لا انفك عنه ، وقرأ البزي وورش بفتح ياء { أوزعني } . { التي أنعمت علي وعلى والدي } أدرج فيه ذكر والديه تكثيرا للنعمة أو تعميما لها ، فإن النعمة عليهما نعمة عليه والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية . { وأن أعمل صالحا ترضاه } إتماما للشكر واستدامة للنعمة . { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } في عدادهم الجنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

تبسُّم سليمان من قولها تبسم تعجب . والتبسّم أضعف حالات الضحك فقوله : { ضاحكاً } حال موكدة ل { تبسَّم } وضحك الأنبياء التبسّم ، كما ورد في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما يقرب من التبسّم مثل بدوّ النواجذ كما ورد في بعض صفات ضحكه . وأما القهقهة فلا تكون للأنبياء ، وفي الحديث " كثرة الضحك تميت القلب " وإنما تعجب من أنها عرفت اسمه وأنها قالت : { وهم لا يشعرون } فوسمته وجندَه بالصلاح والرأفة وأنهم لا يقتلون ما فيه روح لغير مصلحة ، وهذا تنويه برأفتِه وعدله الشامل لكل مخلوق لا فساد منه أجراه الله على نملة ليعلَم شرفَ العدل ولا يحتقِرَ مواضعه ، وأن وليّ الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها حتى كأنه معلوم عند ما لا إدراك له ، فتسير جميع أمور الأمة على عدل . ويضرب الله الأمثال للناس ، فضرب هذا المثل لنبيئه سليمان بالوحي من دلالة نملة ، وذلك سر بينه وبين ربّه جعله تنبيهاً له وداعية لشكر ربّه فقال : { رب أوزعني أن أشكر نعمتك } .

وأوزع : مزيد ( وزع ) الذي هو بمعنى كفّ كما تقدم آنفاً ، والهمزة للإزالة ، أي أزال الوزع ، أي الكف . والمراد أنه لم يترك غيره كافّاً عن عمل وأرادوا بذلك الكناية عن ضد معناه ، أي كناية عن الحث على العمل . وشاع هذا الإطلاق فصار معنى أوزع أغرى بالعمل . فالمعنى : وفِّقني للشكر ، ولذلك كان حقّه أن يتعدى بالباء .

فمعنى قوله : { أوزعني } ألهمني وأغْرِني . و { أن أشكُر نعمتك } منصوب بنزع الخافض وهو الباء . والمعنى : اجعلني ملازماً شكر نعمتك . وإنما سأل الله الدوام على شكر النعمة لما في الشكر من الثواب ومن ازدياد النعم ، فقد ورد : النعمة وحشية قيِّدوها بالشكر فإنها إذا شُكرت قرّت . وإذا كُفرت فرّت{[304]} . ومن كلام الشيخ ابن عطاء الله : « من لم يشكر النعمة فقد تعرّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها » . وفي « الكشاف » عند قوله : { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } [ لقمان : 12 ] وفي كلام بعض المتقدمين « أن كُفران النعم بوار ، وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر ، واستدم راهنَها بكرم الجوار ، واعلم أن سُبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترجُ لله وقاراً »{[305]} .

وأدرج سليمان ذكر والديه عند ذكره إنعام الله تعالى عليه لأن صلاح الولد نعمة على الوالدين بما يدخل عليهما من مسرة في الدنيا وما ينالهما من دُعائه وصدقاته عنهما من الثواب .

ووالداه هما أبوه داود بن يسّي وأمه ( بثشبع ) بنت ( اليعام ) وهي التي كانت زوجة ( أوريا ) الحِثّي فاصطفاها داود لنفسه{[306]} ، وهي التي جاءت فيها قصة نبأ الخصم المذكورة في سورة ص .

و { أن أعمَل } عطف على { أن أشكر } . والإدخال في العباد الصالحين مستعار لجعله واحداً منهم ، فشبه إلحاقه بهم في الصلاح بإدخاله عليهم في زمرتهم ، وسؤاله ذلك مراد به الاستمرار والزيادة من رفع الدرجات لأن لعباد الله الصالحين مراتبَ كثيرة .


[304]:- ذكره الطيبي في حاشية الكشاف ولم أقف عليه.
[305]:- لم يذكر شراح الكشاف اسم هذا المتقدم المعزو إليه الكلام وأقشعت: تفرقت والراهن: الدائم. وجعلت في نصابها أي في أصلها وقرارها. والوقار الحلم. أي ما لكم لا تظنون أن تأثير العذاب حلم من الله عليكم يوشك أن يزول.
[306]:- الإصحاح 11 والإصحاح 12 من سفر صمويل الثاني. والإصحاح 2 من سفر الملوك الأول.