فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ( 19 ) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ( 20 ) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( 21 ) }

{ فتبسم } سليمان ابتداء { ضاحكا } انتهاء { من قولها } وقرئ : ضحكا ، وعلى الأول حال مؤكدة ، لأنه قد فهم الضحك من التبسم ، وقيل : حال مقدرة ، لأن التبسم أول الضحك ، وقيل : لما كان التبسم قد يكون للغضب كان الضحك مبينا له ، وقيل : إن ضحك الأنبياء هو التبسم لا غير ، وعلى الثاني : مصدر بفعل محذوف .

وكل من التبسم والضحك والقهقهة انفتاح في الفم ، لكن الأول انفتاح بلا صوت أصلا ، والثاني مع صوت خفيف ، والثالث مع صوت قوي ، وكان ضحك سليمان تعجبا من قولها وفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل ، أو فرحا لظهور عدله .

{ وقال : رب أوزعني } قد تقدم بيان معناه قريبا في قوله : فهم يوزعون ، قال في الكشاف : وحقيقة أوزعني اجعلني أزع شكر نعمتك عندي ، وأكفه وارتبطه لا ينفلت عني حتى لا أنفك شاكرا لك ، وانتهى . قال الواحدي : أوزعني أي : ألهمني ، وبه قال قتادة ، وعن الحسن مثله ، يقال : فلان موزع بكذا ، أي : مولع به . قال القرطبي : أصله من وزع فكأنه قال : كفني عما يسخطك ، انتهى . وقال الزجاج : معناه امنعني أن أكفر نعمتك ، وهو تفسير باللازم .

{ أن أشكر نعمتك التي أنعمت } بها { على } مفعول ثان لأوزعني ، أي : من النبوة والملك والعلم .

{ وعلى والدي } الدعاء منه بأن يوزعه الله شكر نعمته على والديه ، كما أوزعه شكر نعمته عليه ، لأن الإنعام عليها إنعام عليه ، وذلك يستوجب الشكر منه لله سبحانه . قال أهل الكتاب : وأمه هي زوجة أوريا بوزن قوتلا ، التي امتحن الله بها داود ، قاله القرطبي ، والله أعلم بصحته ، ثم طلب أن يضيف الله له لواحق نعمه إلى سوابقها ، ولا سيما النعم الدينية فقال :

{ وأن أعمل صالحا } في بقية عمري { ترضاه } مني ، ثم دعا أن يجعله الله سبحانه في الآخرة داخلا في زمرة الصالحين ، فإن ذلك هو الغاية التي يتعلق بها الطلب فقال : { وأدخلني } الجنة { برحمتك في عبادك الصالحين } من النبيين أو صلحاء العباد ، والمعنى أدخلني في جملتهم ، واثبت اسمي في أسمائهم واحشرني في زمرتهم إلى دار الصالحين وهي الجنة ، أو في بمعنى مع ، والصالح الكامل هو الذي لا يعصى الله ، ولا يفعل معصية ، ولا يهم بها ، وهذه درجة عالية .

اللهم وإني أدعوك بما دعاك به هذا النبي الكريم . فتقبل ذلك مني وتفضل علي به ، فإني وإن كنت مقصرا في العمل ففضلك الواسع هو سبب الفوز والخير ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ، فهذه الآية منادية بأعلى صوت ، وأوضح بيان بأن دخول الجنة التي هي دار المتقين بالتفضل منك لا بالعمل منهم ، كما قال رسولك الصادق المصدوق ، فيما ثبت عنه في الصحيح : يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا أن يتغمدني الله برحمته " فإذا لم يكن إلا بفضلك الواسع فترك منك عجز ، والتفريط في التوسل إليك بالإيصال إليه تضييع .