فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

{ فَتَبَسَّمَ ضاحكا مّن قَوْلِهَا } قرأ ابن السميفع : " ضحكا " ً وعلى قراءة الجمهور يكون { ضاحكاً } حالاً مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم . وقيل هي حال مقدّرة لأن التبسم أوّل الضحك . وقيل لما كان التبسم قد يكون للغضب كان الضحك مبيناً له ، وقيل إن ضحك الأنبياء هو التبسم لا غير ، وعلى قراءة ابن السميفع يكون " ضحكاً " مصدراً منصوباً بفعل محذوف أو في موضع الحال ، وكان ضحك سليمان تعجباً من قولها وفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل { وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ } قد تقدّم بيان معنى أوزعني قريباً في قوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } قال في الكشاف : وحقيقة أوزعني : اجعلني أزع شكر نعمك عندي وأكفه وأرتبطه لا ينفلت عني حتى لا أنفك شاكراً لك . انتهى .

قال الواحدي : { أوزعني } أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ ، يقال : فلان موزع بكذا : أي مولع به . انتهى . قال القرطبي : وأصله من وزع ، فكأنه قال : كفني عما يسخطك . انتهى . والمفعول الثاني لأوزعني هو : { أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ } وقال الزجاج : إن معنى { أوزعني } : امنعني أن أكفر نعمتك ، وهو تفسير باللازم ، ومعنى { وعلى وَالِدَيَّ } الدعاء منه بأن يوزعه الله شكر نعمته على والديه كما أوزعه شكر نعمته عليه ، فإن الإنعام عليهما إنعام عليه ، وذلك يستوجب الشكر منه لله سبحانه ، ثم طلب أن يضيف الله له لواحق نعمه إلى سوابقها ، ولاسيما النعم الدينية ، فقال : { وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه } أي عملاً صالحاً ترضاه مني ، ثم دعا أن يجعله الله سبحانه في الآخرة داخلاً في زمرة الصالحين فإن ذلك هو الغاية التي يتعلق الطلب بها ، فقال : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين } ، والمعنى : أدخلني في جملتهم ، وأثبت اسمي في أسمائهم ، واحشرني في زمرتهم إلى دار الصالحين ، وهي الجنة .

اللهم وإني أدعوك بما دعاك به هذا النبيّ الكريم ، فتقبل ذلك مني ، وتفضل عليّ به ، فإني وإن كنت مقصراً في العمل ، ففضلك هو سبب الفوز بالخير ، فهذه الآية منادية بأعلى صوت ، وأوضح بيان بأن دخول الجنة التي هي دار المؤمنين بالتفضل منك لا بالعمل منهم كما قال رسولك الصادق المصدوق فيما ثبت عنه في الصحيح : «سدّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمته » فإذا لم يكن إلاّ تفضلك الواسع ، فترك طلبه منك عجز ، والتفريط في التوسل إليك بالإيصال إليه تضييع .

/خ26