اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

قوله : «ضاحكاً » قيل : هي حال مؤكدة{[38582]} لأنها مفهومة من ( تبسم ) ، وقيل : بل هي حال مقدرة ، فإن التبسم ابتداء الضحك ، وقيل : لما كان التبسم قد يكون للغضب ، ومنه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الغضبان ، أي تضاحكاً مسبباً له ، قال عنترة :

3942 - لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ *** أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ{[38583]}

وتبسَّم : تَفَعَّلَ بمعنى بَسَمَ المجرّد ، قال :

3943 - وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَوَّراً *** تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي{[38584]}

وقال بعض المولدين :

3944 - كَأَنَّمَا تَبْسِمُ عَنْ لُؤْلُؤٍ *** مُنَضَّدٍ أَوْ بَرَدِ أَوْ أَقَاح{[38585]}

وقرأ ابن السميفع : «ضحكاً » مقصوراً{[38586]} ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مصدر مؤكد معنى تبسم ، لأنه بمعناه{[38587]} .

والثاني : أنه في موضع الحال ، فهو في المعنى كالذي قبله{[38588]} .

الثالث : أنه اسم فاعل كفرح ، وذلك لأن فعله على فَعِل بكسر العين ، وهو لازم ، فهو كفرح وبطِر{[38589]} . قوله : «أن أشكر » مفعول ثان ل «أوزعني » ، لأن معناه : ألهمني ، وقيل{[38590]} معناه : اجعلني أزع شكر نعمتك ، أي : أكفه وأمنعه حتى لا ينفلت مني ، فلا أزال شاكراً{[38591]} ، وتفسير الزجاج له بامنعني أن أكفر نعمتك{[38592]} من باب تفسير المعنى باللازم .

فصل :

قال الزجاج أكثر ضحك الأنبياء التبسم{[38593]} ، وقوله : «ضاحكاً » أي : مبتسماً ، وقيل : كان أوله التبسم وآخره الضحك{[38594]} ، قال مقاتل : كان ضحك سليمان من قول النملة تعجباً ، لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك{[38595]} ، وإنما ضحك لأمرين :

أحدهما : إعجابه بما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وعلى شهرة حاله وحالهم في التقوى ، وهو قولها : «وهم لا يشعرون » .

والثاني : سروره بما آتاه الله ما له يؤت أحداً ، من سمعه كلام النملة وإحاطته بمعناه{[38596]} . ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه ، فقال : { رَبِّ أوزعني } ألهمني . { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين } .

وهذا يدل على أن دخول الجنة برحمته وفضله ، لا باستحقاق العبد{[38597]} ، والمعنى : أدخلني في جملتهم ، وأثبت اسمي في أسمائهم واحشرني في زمرتهم ، قال ابن عباس : يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين{[38598]} . فإن قيل : درجات الأنبياء أفضل من درجات الأولياء والصالحين ، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين ، فقال يوسف{[38599]} : { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين } [ يوسف : 101 ] ، وقال سليمان : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين } ؟ .

فالجواب : الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله ولا يهم بمعصية ، وهذه درجة عالية{[38600]} .


[38582]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/112، التبيان 2/1006.
[38583]:البيت من بحر الكامل، وهو من معلقة عنترة، وهو في شرح السبع الطوال لابن الأنباري (350)، الحماسة البصرية 2/79، يقول: ليس إبداؤه نواجذه للضحك إنما لكراهة منه وخشية من الموت. وهذا موطن الشاهد.
[38584]:البيت من الطويل، وهو من معلقة طرفة بن العبد، وهو في ديوانه (21) والسبع الطوال 143-144، اللسان (لما)، البحر المحيط 7/51. قوله: عن ألمى: أي عن ثغر ألمى، فاكتفى بالنعت عن المنعوت. الألمى: أسمر الشفتين. المنور: النبات ذو الزهر. حرًّ الرمل: أحسنه لونا، الدعص: كثيب الرمل. النَّدي: الذي في أسفله الماء. والشاهد فيه قوله: (تبسم). فإنه من الثلاثي (بسم) وهو بمعنى (تبسَّم).
[38585]:البيت من بحر السريع، قاله البحتري، وهو في ديوانه 1/435، المصون (79)، معاهد التنصيص 1/164، المنضّد: المنظم. البرد: حبيبات الثلج النازلة عن الغمام. الأقاح: جمع أقحوان، وهو نوع من الورود. والشاهد فيه قوله: (تبسم) فإنه من الثلاثي (بسم).
[38586]:المحتسب 2/139، البحر المحيط 7/62.
[38587]:المرجعان السابقان.
[38588]:انظر البحر المحيط 7/62.
[38589]:انظر التبيان 2/1006.
[38590]:في ب: وفعل. وهو تحريف.
[38591]:انظر الكشاف 3/138.
[38592]:انظر معاني القرآن وإعرابه 4/112-113.
[38593]:معاني القرآن وإعرابه 4/112.
[38594]:انظر البغوي 6/268.
[38595]:المرجع السابق.
[38596]:انظر الكشاف 3/138، الفخر الرازي 24/188.
[38597]:انظر الفخر الرازي 24/188.
[38598]:انظر البغوي 6/268.
[38599]:في النسختين: إبراهيم. والتصويب من الفخر الرازي.
[38600]:انظر الفخر الرازي 24/188.