{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }
أي : أيطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله ؟ لا يحسن هذا ولا يليق ، لأنه لا أحسن دينا من دين الله { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } أي : الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له طوعا واختيارا ، وهم المؤمنون المسلمون المنقادون لعبادة ربهم ، وكرها وهم سائر الخلق ، حتى الكافرون مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه ، ولا امتناع لهم منه ، وإليه مرجع الخلائق كلها ، فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل .
{ أفغير دين الله يبغون } عطف على الجملة المتقدمة والهمزة متوسطة بينهما للإنكار ، أو محذوف تقديره أتتولون فغير دين الله تبغون ، وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار والفعل بلفظ الغيبة عند أبي عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب ، وبالتاء عند الباقين على تقدير وقل له . { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } أي طائعين بالنظر واتباع الحجة ، وكارهين بالسيف ومعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل وإدراك الغرق ، والإشراف على الموت . أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ومسخرين كالكفرة فإنهم لا يقدرون أن يمتنعوا عما قضى عليهم { وإليه يرجعون } وقرئ بالياء على أن الضمير لمن .
تفريع عن التذكير بما كان عليه الأنبياء .
وقرأه الجمهور { تبغون } بتاء الخطاب فهو خطاب لأهل الكتاب جارٍ على طريقة الخطاب في قوله آنفاً : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة } [ آل عمران : 80 ] وقرأه أبو عَمرو ، وحفص ، ويعقوب : بياء الغيبة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إعراضاً عن مخاطبتهم إلى مخاطبة المسلمين بالتعجيب من أهل الكتاب . وكله تفريع ذكر أحوال خلَف أولئك الأمم كيف اتبعوا غير ما أخذ عليهم العهد به . والاستفهام حينئذ للتعجيب .
ودين الله هو الإسلام لقوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وإضافته إلى الله لتشريفه على غيره من الأديان ، أو لأنّ غيره يومئذ قد نسخ بما هو دين الله .
ومعنى { تبغون } تطلبون يقال بَغى الأمرَ يبغيه بُغَاء بضم الباء وبالمد ، ويقصر والبُغية بضم الباء وكسرها وهاء في آخره قيل مصدر ، وقيل اسم ، ويقال ابتغى بمعنى بغى ، وهو موضوع للطلب ويتعدّى إلى مفعول واحد . وقياس مصدره البغي ، لكنه لم يسمع البغي إلاّ في معنى الاعتداء والجور ، وذَلك فعلُه قاصر ، ولعلهم أرادوا التفرقة بين الطلب وبين الاعتداء ، فأماتوا المصدر القياسي لبَغَى بمعنى طلب وخصّوه ببغى بمعنى اعتدى وظلم : قال تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } [ الشورى : 42 ] ويقال تَبَغّى بمعنى ابتغى .
وجملة { وله أسلَم } » حال من اسم الجلالة وتقدم تفسير معنى الإسلام لله عند قوله تعالى : { فقل أسلمتُ وجهي للَّه } [ آل عمران : 20 ] .
ومعنى { طوعاً وكرهاً } أنّ من العقلاء من أسلم عن اختيار لظهور الحق له ، ومنهم من أسلم بالجبلّة والفطرة كالملائكة ، أو الإسلام كرهاً هو الإسلام بعد الامتناع أي أكرهته الأدلة والآيات أو هو إسلام الكافرين عند الموت ورؤية سوء العاقبة ، أو هو الإكراه على الإسلام قبل نزول آية لاَ إكراه في الدين .
والكرهُ بفتح الكاف هو الإكراه ، والكُره بضم الكاف المكروه .
ومعنى { وإليه ترجعون } أنه يرجعكم إليه ففعل رجع المتعدّي أسند إلى المجهول . لظهور فاعله ، أي يرجعكم الله بعد الموت ، وعند القيامة ، ومناسبة ذكر هذا ، عقب التوبيخ والتحذير ، أنّ الربّ الذي لا مفر من حكمه لا يجوز للعاقل أن يعدل عن دينٍ أمره به ، وحقه أن يسلم إليه نفسه مختاراً قبل أن يسلمها اضطراراً .
وقد دل قوله : { وإليه ترجعون } على المراد من قوله : { وكرهاً } .
وقرأ الجمهور : وإليه تُرجعون بتاء الخطاب ، وقرأه حفص بياء الغيبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.