تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

{ 46-65 } ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين ، ذكر جزاء المتقين الخائفين فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ

} إلى آخر السورة .

أي : وللذي خاف ربه وقيامه عليه ، فترك ما نهى عنه ، وفعل ما أمره به ، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما ، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات ، والأخرى على فعل الطاعات .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

ولمن خاف مقام ربه موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه و مقام مفخم للمبالغة كقوله ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين جنتان جنة للخائف الإنسي والأخرى للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

انتقال من وصف جزاء المجرمين إلى ثواب المتقين . والجملة عطف على جملة { يعرف المجرمون بسيماهم } [ الرحمن : 41 ] إلى آخرها ، وهو أظهر لأن قوله في آخرها { يطوفون بينها وبين حميم آنٍ يفيد معنى أنهم فيها .

واللام في { لمن خاف } لام الملك ، أي يعطي من خاف ربه ويملك جنتين ، ولا شبهة في أن من خاف مقام ربه جنس الخائفين لا خائف معيّن فهو من صيغ العموم البدلي بمنزلة قولك : وللخائف مقام ربه . وعليه فيجيء النظر في تأويل تثنية { جنتان } فيجوز أن يكون المراد : جنسين من الجنات .

وقد ذكرت الجنات في القرآن بصيغة الجمع غير مرة وسيجيء بعد هذا قوله : { ومن دونهما جنتان } [ الرحمن : 62 ] فالمراد جنسان من الجنات .

ويجوز أن تكون التثنية مستعملة كناية عن التعدد ، وهو استعمال موجود في الكلام الفصيح وفي القرآن قال الله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسِئاً وهو حسير } [ الملك : 4 ] ومنه قولهم : لبَّيْك وسعَديك ودواليك ، كقول القوّال{[408]} الطائي من شعر الحماسة :

فقولا لهذا المرء ذُو جاء ساعياً *** هَلمّ فإن المشرفيَّ الفرائض

أي فقولوا : يا قوممِ ، وتقدم عند قوله تعالى : { سنعذبهم مرتين } في سورة التوبة ( 101 ) . وإيثار صيغة التثنية هنا لمراعاة الفواصل السابقة واللاحقة فقد بنيت قرائن السورة عليها والقرينة ظاهرة وإليه يميل كلام الفراء ، وعلى هذا فجميع ما أجري بصيغة التثنية في شأن الجنتين فمراد به الجمع .

وقيل : أريد جنتان لكل متقّ تحفان بقصره في الجنة كما قال تعالى في صفة جنات الدنيا { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } [ الكهف : 32 ] الآية ، وقال : { لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } [ سبأ : 15 ] فهما جنتان باعتبار يمنة القصر ويسرته والقصر فاصل بينهما .

والمقام : أصله محل القيام ومصدر ميمي للقيام وعلى الوجهين يستعمل مجازاً في الحالة والتلبس كقولك لمن تستجيره : هذا مقام العائذ بك ، ويطلق على الشأن والعظمة ، فإضافة { مقام } إلى { ربه } هنا إن كانت على اعتبار المقام للخائف فهو بمعنى الحال ، وإضافته إلى { ربه } تُشبِه إضافة المصدر إلى المفعول ، أي مقامه من ربه ، أي بين يديه .

وإن كانت على اعتبار المقام لله تعالى فهو بمعنى الشأن والعظمة . وإضافتُه كالإضافة إلى الفاعل ، ويحتمل الوجهين قوله تعالى : { ذلك لمن خاف مقامي } في سورة إبراهيم ( 14 ) وقولُه : { وأما من خاف مقام ربه } في سورة النازعات ( 40 ) .


[408]:- هكذا وقع اسمه في ديوان الحماسة وشروحه وهو يفتح القاف وتشديد الواو كما في خزانة الأدب. وهو من مخضرمي الدولتين.