تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

أي : { وَلَمَّا بَلَغَ } يوسف { أَشُدَّهُ } أي : كمال قوته المعنوية والحسية ، وصلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة ، من النبوة والرسالة . { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } أي : جعلناه نبيا رسولا ، وعالما ربانيا ، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } في عبادة الخالق ببذل الجهد والنصح فيها ، وإلى عباد الله ببذل النفع والإحسان إليهم ، نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم علما نافعا .

ودل هذا ، على أن يوسف وفَّى مقام الإحسان ، فأعطاه الله الحكم بين الناس والعلم الكثير والنبوة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

{ ولما بلغ أشدّه } منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين ، وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم . { آتيناه حكما } حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل ، أو حكما بين الناس . { وعلما } يعني علم تأويل الأحاديث . { وكذلك نجزي المحسنين } تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله وإتقانه في عنفوان أمره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

و «الأشد » : استكمال القوة وتناهي البأس ، أولهما البلوغ وقد عبر عنه مالك وربيعة ببنية الإنسان ، وهما أشدان : وذكره منذر بن سعيد ، والثاني : الذي يستعمله العرب وقيل : هو من ثماني عشرة سنة إلى ستين سنة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف . وقيل : «الأشد » : بلوغ الأربعين ، وقيل : بل ستة وثلاثون . وقيل : ثلاثة وثلاثون .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو أظهر الأقوال -فيما نحسبه - وهو الأسبوع الخامس ، وقيل : عشرون سنة ، وهذا ضعيف . وقال الطبري : «الأشد » لا واحد له من لفظه{[6620]} ، وقال سيبويه : «الأشد » جمع شدة نحو نعمة وأنعم ، وقال الكسائي : «أشد » جمع شد نحو قد وأقد ، وشد النهار : معظمه وحيث تستكمل نهاريته .

وقوله : { حكماً } يحتمل أن يريد الحكمة والنبوءة ، وهذا على الأشد الأعلى ، ويحتمل الحكمة والعلم دون النبوءة ، وهذا أشبه إن كانت قصة المراودة بعد هذا . و { علماً } يريد تأويل الأحاديث وغير ذلك . ويحتمل أن يريد بقوله : { حكماً } أي سلطاناً في الدنيا وحكماً بين الناس بالحق . وتدخل النبوة وتأويل الأحاديث وغير ذلك في قوله : { وعلماً } .

{ وكذلك نجزي المحسنين } ألفاظ فيها وعد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يهولنك فعل الكفرة بك وعتوهم عليك فالله تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع .


[6620]:قال الطبري أيضا: وهو جمع مثل الأضر والأسر، ويجب – في القياس أن يكون واحده: شد، كما أن واحد الأضر: ضر، وواحد الأسر: سر، كما قال الشاعر: هل غير أن كثر الأسد وأهلكت حرب الملوك أكاثر الأموال وقال حميد: وقد أتى لو تعتب العواذل بعد الأشد أربع كوامــــل وفي (اللسان – شدد): "قال الأزهري: الأشد في كتاب الله تعالى في ثلاثة معان يقرب اختلافها، فأما قوله في قصة يوسف عليه السلام: {ولما بلغ أشده} فمعناه الإدراك والبلوغ، وحينئذ راودته امرأة العزيز عن نفسه، وكذلك قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} قال الزجاج: معناه: احفظوا عليه ماله حتى يبلغ أشده، فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه ماله، وبلوغه أشده أن يؤنس منه الرشد مع أن يكون بالغا، وأما قوله تعالى في قصة موسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه: {ولما بلغ أشده واستوى} فإنه قرن بلوغ الأشد بالاستواء، وهو أن يجمع أمره وقوته ويكتهل وينتهي شبابه، وأما قول الله تعالى في سورة (الأحقاف: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} فهو أقصى نهاية بلوغ الأشد، وعند تمامها بعث محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله، فبلوغ الأشد محصور الأول محصور النهاية، غير محصور ما بين ذلك".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

هذا إخبار عن اصطفاء يوسف عليه السّلام للنبوءة . ذكر هنا في ذكر مبدأ حلوله بمصر لمناسبة ذكر منّة الله عليه بتمكينه في الأرض وتعليمه تأويل الأحاديث .

والأشدُّ : القوة . وفسر ببلوغه ما بين خمس وثلاثين سنة إلى أربعين .

والحكم والحكمة مترادفان ، وهو : علم حقائق الأشياء والعمل بالصالح واجتناب ضده . وأريد به هنا النبوءة كما في قوله تعالى في ذكر داود وسليمان عليهما السّلام { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } [ سورة الأنبياء : 79 ] . والمراد بالعلم علم زائد على النبوءة .

وتنكير { علماً } للنوعية ، أو للتعظيم . والمراد : علم تعبير الرؤيا ، كما سيأتي في قوله تعالى عنه : { ذلكما ممّا علّمني ربي } [ سورة يوسف : 37 ] .

وقال فخر الدين : الحكم : الحكمةُ العملية لأنها حكمٌ على هدى النفس . والعلمُ : الحكمةُ النظرية .

والقول في { وكذلك نجزي المحسنين } كالقول في نظيره ، وتقدم عند قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) .

وفي ذكر { المحسنين } إيماء إلى أنّ إحسانه هو سبب جزائه بتلك النعمة .

وفي هذا الذي دبّره الله تعالى تصريح بآية من الآيات التي كانت في يوسف عليه السّلام وإخوته .