تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا} (38)

ثم أخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم إيمان به فقال : { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } أي : ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم { وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } أي : ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ورجاء ثوابه . أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله التي يدعو حزبه إليها ليكونوا من أصحاب السعير . وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها فلهذا قال : { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ويسعى فيه أشد السعي .

فكما أن من بخل بما آتاه الله ، وكتم ما مَنَّ به الله عليه عاص آثم مخالف لربه ، فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله فإنه آثم عاص لربه مستوجب للعقوبة ، لأن الله إنما أمر بطاعته وامتثال أمره على وجه الإخلاص ، كما قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب فلهذا حث تعالى عليه بقوله :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا} (38)

{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } عطف على الذين يبخلون ، أو الكافرين . وإنما شاركهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على من ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم ، أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : { ومن يكن الشيطان له قرينا } . { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركو مكة . وقيل هم المنافقون . { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } تنبيه على أن الشيطان قرنهم فحملهم على ذلك وزينة لهم كقوله تعالى : { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } . والمراد إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة ، ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا} (38)

وقوله تعالى : { والذين ينفقون } الآية - قال الطبري : { الذين } في موضع خفض عطف على الكافرين ، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفاً على { الذين يبخلون } على تأويل : من رآه مقطوعاً ورأى الخبر محذوفاً ، وقال : إنها نزلت في اليهود ، ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر ، وتقديره : بعد اليوم الآخر معذبون ، وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في اليهود ، قال الطبري : وهذا ضعيف ، لأنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر ، واليهود ليسوا كذلك .

قال القاضي أبو محمد : وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام ، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم ، وقال الجمهور : نزلت في المنافقين ، وهذا هو الصحيح ، وإنفاقهم : هو ما كانوا يعطون من زكاة ، وينفقون في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «رياء » ودفعاً عن أنفسهم ، لا إيماناً بالله ، ولا حباً في دينه { ورثاء } نصب على الحال من الضمير في { ينفقون } والعامل { ينفقون } ويكون قوله : { ولا يؤمنون } في الصلة ، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة ، وحكى المهدوي : أن الحال تصح أن تكون من { الذين } فعلى هذا يكون { ولا يؤمنون } مقطوعاً ليس من الصلة ، والأول أصح ، وما حكى المهدوي ضعيف ، ويحتمل أن يكون { ولا يؤمنون } في موضع الحال ، أي : غير مؤمنين ، فتكون الواو واو الحال .

و «القرين » : فعيل بمعنى فاعل ، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب{[4032]} ، وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد ، والإنسان كله يقارنه الشيطان ، لكن الموفق عاص له ، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان ، وقيل للحبل الذي يشدان به : قرن ، قال الشاعر : [ البسيط ]

كَمُدْخِلٍ رأَسَهُ لَمْ يُدْنِهِ أَحَدٌ *** بَيْنَ القَرِينَيْنِ حَتّى لزَّهُ الْقَرَنُ{[4033]}

فالمعنى : ومن يكن الشيطان له مصاحباً وملازماً ، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته ، و { قريناً } نصب على التمييز ، والفاعل ل «ساء » مضمر ، تقديره ساء القرين قريناً ، على حد بئس ، وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى : { بئس للظالمين بدلاً }{[4034]} وذلك مردود ، لأن { بدلاً } حال ، وفي هذا نظر{[4035]} .


[4032]:- قال عدي بن زيد: عن المرء لا تسأل، وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي والقرين فعيل بمعنى المقارن، كالجليس والخليط، أي: المجالس، والمخالط. والجمع: قرناء.
[4033]:- الجمع بين دابتين في حبل هو: القرن. أما القرن (بالفتح) فهو الحبل الذي تلزان به، والشاعر يقصد بقوله: (القرينين) الحيوانين المقرونين، وكلمة (لزّ) معناها: جمع بينهما بشدة حتى ألصق أحدهما بالآخر، ومنه قول الشاعر: وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن لم يستطع صولة البذل القناعيس.
[4034]:- من الآية (50) من سورة (الكهف).
[4035]:- لأن [قرينا] لا يصح أن تعرب حالا مثل (بدلا)، إذ هذا يقتضي أن يكون [ساء] متعدية، ومفعولها محذوفا، وهذا معناه أنها فعل متصرف فلا تدخله الفاء، أو تدخله مصحوبة بقد، وقد دخلت الفاء بدون قد هنا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا} (38)

عطف { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } على { الذين يبخلون } : لأنّهم أنفقوا إنفاقاً لا تحصل به فائدة الإنفاق غالباً ، لأنّ من ينفق ماله رئاء لا يتوخّى به مواقع الحاجة ، فقد يعطي الغنيّ ويمنع الفقير ، وأريد بهم هنا المنفقون من المنافقين المشركين ، ولذلك وصفوا بأنّهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وقيل : أريد بهم المشركون من أهل مكة ، وهو بعيد ، لأنّ أهل مكة قد انقطع الجدال معهم بعد الهجرة .

وجملة : { ومن يكن الشيطان له قرينا } معترضة .

وقوله : { فساء قريناً } جواب الشرط . والضمير المُستتر في ( ساء ) إن كان عائداً إلى الشيطان ف ( ساءَ ) بمعنى بئس ، والضمير فاعلها ، و { قرينا } تمييز للضمير ، مثل قوله تعالى : { ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا } [ الأعراف : 177 ] ، أي : فساء قرينا له ، ليحصل الربط بين الشرط وجوابه ، ويجوز أن تبقى ( ساء ) على أصلها ضَدّ حَسُن ، وترفع ضميرا عائداً على ( مَن ) ويكون ( قريناً ) تمييز نسبة ، كقولهم : « ساءَ سمعاً فَسَاء جَابَةً » أي فساءَ من كان الشيطان قرينَهُ من جهة القَرين ، والمقصود على كلا الاحتمالين سوء حال من كان الشيطان له قريناً بإثبات سوء قرينه ؛ إذ المرء يعرف بقرينه ، كما قال عديّ بن زيد :

فَكُلّ قرينٍ بالمُقَارن يَقْتَدي

وقوله : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر } عطف على الجملتين ، وضمير الجمع عائد إلى الفريقين ، والمقصود استنزال طائرهم ، وإقامة الحجّة عليهم .