وفي تلك الحال ، يحزن المكذبون ، ويظهرون الحسرة والندم ، ويقولون : { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } أي : من رقدتنا في القبور ، لأنه ورد في بعض الأحاديث ، أن لأهل القبور رقدة قبيل النفخ في الصور ، فيجابون ، فيقال [ لهم : ] { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } أي : هذا الذي وعدكم اللّه به ، ووعدتكم به الرسل ، فظهر صدقهم رَأْيَ عين .
ولا تحسب أن ذكر الرحمن في هذا الموضع ، لمجرد الخبر عن وعده ، وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم ، سيرون من رحمته ما لا يخطر على الظنون ، ولا حسب به الحاسبون ، كقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ } ونحو ذلك ، مما يذكر اسمه الرحمن ، في هذا .
{ قالوا يا ويلنا } وقرئ " يا ويلتنا " . { من بعثنا من مرقدنا } وقرئ " من أهبنا " من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا ، وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما ، و { من بعثنا } و " من هبنا " على الجارة والمصدر ، وسكت حفص وحده عليها سكته لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن . { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } مبتدأ وخبر و { ما } مصدرية ، أو موصولة محذوفة الراجع ، أو { هذا } صفة ل { مرقدنا } و { ما وعدنا } خبر محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } ، أو { ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } حق وهو من كلامهم ، وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم ، معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا : بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون ، فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال .
ونداؤهم الويل بمعنى هذا وقتك وأوان حضورك وهو منادى مضاف ، ويحتمل أن يكون نصب الويل على المصدر والمنادى محذوف ، كأنهم قالوا يا قومنا ويلنا ، وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا » بتاء التأنيث{[9795]} ، وقرأ الجمهور «مَن بعثنا » بفتح الميم على معنى الاستفهام ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنها قرآ «مِن بْعثِنا » بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية ، وسكون العين وكسر الثاء على المصدر ، وفي قراءة ابن مسعود ، «من أهبنا من مرقدنا » أي من نبهنا ، وفي قراءة أبي بن كعب «من هبنا » ، قال أبو الفتح ولم أرَ لها في اللغة أصلاً ولا مر بنا " مهبوب " {[9796]} ، ونسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي الله عنه ، وقولهم { من مرقدنا } يحتمل أن يريدوا من موضع الرقاد حقيقة ، ويروى عن أبي بن كعب وقتادة ومجاهد أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير صحيح الإسناد ، وإنما الوجه في قولهم { من مرقدنا } أنها استعارة وتشبيه ، كما تقول في قتيل هذا مرقده إلى يوم القيامة ، وفي كتاب الثعلبي : أنهم قالوا { من مرقدنا } لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون هذا إشارة إلى المرقد ، ثم استأنف بقوله ، { ما وعد الرحمن } ويضمر الخبر حق أو نحوه ، وقال الجمهور : ابتداء الكلام { هذا ما وعد الرحمن } ، واختلف في هذه المقالة من قالها ، فقال ابن زيد : هي من قول الكفرة أي لما رأوا البعث والنشور الذي كانوا يكذبون به في الدنيا قالوا { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } وقالت فرقة : ذلك من قول الله تعالى لهم على جهة التوبيخ والتوقيف ، وقال الفراء : هو من قول الملائكة ، وقال قتادة ومجاهد : هو من قول المؤمنين للكفرة على جهة التقريع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.